شباب على طريق الالتزام - عبدالله عبدالغفار

عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق). مع الأسف هناك الكثير من الشباب، وأنا كنت واحداً منهم، لم نوغل في هذا الدين برفق، وإنّما تحمسنا ومع الحماس ـ بالإضافة إلى أنّ الواحد كان يريد أن يعوض تقصيره ـ أوغلنا، ولكن ليس برفق بل باندفاع، وهذا التوغل في الدين بالإندفاع يؤدي إلى عواقب وخيمة، وقد يؤدي إلى فهم خاطئ للدين؛ لذلك أقدم لكم عصارة تجربتي في طريق الإلتزام، سأقدم لكم خمسة محاذير أتمنى من كل شاب وشابة يريدان أن يلتزما الطريق الصحيح أن يحذرا من هذه الأمور ليكون التدين وسطياً صحيحاً سليماً. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا، وهم المتشددون.
1. إذا وجدت نفسك بعد تدينك بدأت تفتي من عندك فاحذر.. الفتوى تحتاج إلى علم عميق في اللغة العربية، وفي فقه الأولويات، وفقه الواقع والقرآن الكريم والحديث، علوم كثيرة تحتاج إلى سنين وسنين، ليس كل من قرأ كتاباً يفتي.. فبالتالي ينبغي على المتدينين حديثاً، أن يحذروا من الفتوى وكل ما يستطيعون القيام به في هذه المرحلة هو أن ينقلوا كلام العلماء، وحتى هذه فيها حذر، فينبغي حسن اختيار العلماء.
2. إذا وجدت أنك بدأت تكفّر الناس، فاحذر.. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مَن كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما). ثمّ لماذا أصلاً المغامرة في مثل هذه الأمور؟ دع هذه الأمور لله سبحانه وتعالى يحكم فيها يوم القيامة. قال رجل حكيم: (أصعب الأمور أن يعرف الإنسان نفسه، وأسهلها أن يعظ غيره).
3. إذا لاحظت أنك بعد إلتزامك بدأت تهمل مظهرك، وتهمل شكلك ولبسك ولحيتك وشعرك فاعلم أن فهمك للدين فيه خلل، إذا كنت تعتقد أنّ هذه الأمور هي من الزهد، فهذا خلل، فالله جميل يحب الجمال، ويروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يهتم بخمسة أمور لا يتركها في حضر ولا في سفر من ضمنها (السواك، المشط، المكحلة، المرآة) وكلها أمور لها علاقة بالجمال، فانظروا إلى حرصه صلى الله عليه وآله وسلم حتى إنّه قبل أن يخرج لأصحابه ينظر في المرآة مراعاة لمظهره، ويصفف شعره.. وعلى هذا فمن المفروض أن يكون الملتزمون خير الناس مظهرا.
4. إذا كان إلتزامك يجعلك تشعر أنّك خير من باقي الناس، وأنك أصبحت وليّاً من أولياء الله وأن كل الناس عاصون ومذنبون وهالكون وأنت الناجي فاحذر، إن تدينك مغشوش.. فمن المفروض أنّ التدين يزيد من التواضع، فكلّما زاد تدينك زاد تواضعك وليس غرورك وإحتقار الناس. أذكر هنا كلمة جميلة لأحد العلماء حيث يقول: (رُبّ ذنب أورث ذلاً وإنكساراً خير من طاعة أورثت عُجْباً وإستكباراً)، هذا الكلام معناه أن تقضي ليلك في ذنب ثمّ تستيقظ وقد أحسست بالندم والذلة والإنكسار وتبكي وتشعر أنك أسوأ الناس وتشعر أن كل الناس خير منك، هذا الذنب خير من أن تقوم كل الليل في الصلاة ثمّ تستيقظ وتشعر أنّك ضمنت الجنة، وتشعر أن كل الناس أسوأ منك، وأنت خير منهم وتستكبر عليهم، فاحرص، أن يزيدك تدينك تواضعاً لخلق الله.
5. إذا وجدت أنك بعد إلتزامك ساءت أخلاقك فاحذر.. فما فائدة التدين الذي يسيء الأخلاق؟ فالعلم الحقيقي، والتدين الحقيقي، هو الذي ينعكس إيجابياً على خلق الإنسان.