حرق المصحف ونصرة الله

عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في بيان مهام الحاكم كما جاء في كتابه المرسل إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر: (وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه؛ فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزّه). هذه الفقرة وإن كانت موجهة إلى مالك الأشتر كحاكم، ولكنها تمثل مسئولية ينبغي أن يتحملها المسلم بشكل عام، مسئولية لا تقتصر على القتال في ساحات المعارك، كما في قوله سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)الحج:39-40، بل تشمل كل صورة من صور الوقوف مع القوى الإيمانية ضد القوى الشيطانية، وكل صور دعم الحق ضد الباطل، وكل صور بسط العدل ضد الظلم، وكل صور نشر الصلاح ضد الفساد، سواء أكان على المستوى الفكري أو الإعلامي أو السياسي أو التربوي أو غير ذلك.
الإخلاص في النصرة:
على أن تكون النصرة منطلقة من موقف مبدئي لا مصلحي، وقد شاهدنا صمتاً مطبقاً من قبل البعض إزاء انتهاك حرمة المصحف الشريف وحرقه مؤخراً في أفغانستان وكأن شيئاً لم يحدث، في وقت كانت تقوم الدنيا فيه تقوم ولا تقعد من قبل، فالمسألة عند هذا البعض ـ وللأسف ـ هي التوظيف السياسي لمثل هذه القضايا، لا النصرة الحقيقية، فإذا كانت أجندتهم ممتلئة، فلا حاجة لإثارة القضية لا ببيان ولا باحتجاج ولا بغير ذلك، ولا تتحرك فيهم شعرة ولو أحرق ألف مصحف! فهل هذه هي الصورة الحقيقية لنصرة الله؟!
النصرة بالقلب:
ولذا عندما تحدّث الإمام عن النصرة بالقلب، فإن ذلك لا يعني الاقتصار عليها في كل موقف، بل تختص في موارد العجز عن النصرة بالصور الأخرى، بحيث لو كانت الظروف مواتية لنصروا بالقول أو بالفعل، (مع التأكيد على أن النصرة بالقول والفعل لا تعني أبداً الفوضى والتدمير والتخريب) لا أن تكون القضية دائرة مدار المصالح الفئوية والتوظيف السياسي.
ومن نماذج النصرة القلبية الحقيقية ما تحدث عنه القرآن الكريم في إعداد جيش العسرة في غزوة تبوك، قال سبحانه: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) التوبة:92-93. هنا تكون النصرة الحقيقية بالقلب.
صورة مشرقة:
وقد قدم الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية الصورة المشرقة لأمنيات المؤمن الحقيقي في نصرة الله حيث قال: (اللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَ آلِهِ، وَ وَفّقْنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا وَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ وَ فِي جَمِيعِ أَيّامِنَا لِاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وَ هِجْرَانِ الشّرّ، وَ شُكْرِ النّعَمِ، وَ اتّبَاعِ السّنَنِ، وَ مُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَ النّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ حِيَاطَةِ الْإِسْلَامِ، وَ انْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَ إِذْلَالِهِ، وَ نُصْرَةِ الْحَقّ وَ إِعْزَازِهِ، وَ إِرْشَادِ الضّالّ، وَ مُعَاوَنَةِ الضّعِيفِ، وَ إِدْرَاكِ اللّهِيفِ‏ اللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْهُ أَيْمَنَ يَوْمٍ عَهِدْنَاهُ، وَ أَفْضَلَ صَاحِبٍ صَحِبْنَاهُ، وَ خَيْرَ وَقْتٍ ظَلِلْنَا فِيهِ‏ وَ اجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَى مَنْ مَرّ عَلَيْهِ اللّيْلُ وَ النّهَارُ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ، وأَشْكَرَهُمْ لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِكَ، وَ أَقْوَمَهُمْ بِمَا شَرَعْتَ مِنْ شرَائِعِكَ، وَ أَوْقَفَهُمْ عَمّا حَذّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ).