إمام الحرية

من بين الكلمات التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام، نلاحظ هذا الربط عنده بين الصبر والحرية، فإن الإمام الصادق عليه السلام يعتبر أن مسألة أن تكون حراً ليست أن يعطيك أحد حريتك، بل إن الحرية تنبع من حرية عقلك وصلابة إرادتك، فأنت تكون حراً إذا ملكت عقلك وإرادتك وقرارك، بحيث لا يضغط عليك أحد لتتبنى موقفاً لا تؤمن بشرعيته، وعليك إذا كنت الحر أن تتحمّل ضريبة هذه الحرية، فلا تسقط أمام الضغوط ولا تنهار، يقول عليه السلام: (إن الحرّ حر على جميع أحواله) حتى لو كان في الزنزانة ولا يستطيع أن يتحرك من مكانه ، ولكن كانت إرادته حرّة ، بحيث يملك أن يقول "لا" عندما يقتنع بالـ "لا"، ويملك أن يقول "نعم" عندما يقتنع بها (إن نابتْهُ نائبة صبر لها) لا يسقط ولا يهتز أو يتراجع (وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره، وإن أُسر وقُهر واستبدل باليسر عسراً) ويضرب الإمام عليه السلام مثلاً للأحرار الذين يصبرون والذي يؤدي بهم صبرهم إلى النتائج الطيبة، يقول عليه السلام: (كما كان يوسف الصدّيق، لم يضرر حريته أن استُعبد وقُهر وأُسر، ولم تضرره ظلمة الجبّ ووحشته وما ناله أن منّ الله عليه، فجعل الجبار العاتي له عبداً، بعد أن كان له مالكاً، فأرسله الله رسولاً ورحم به أمة، وكذلك الصبر يعقب خيراً، فاصبروا) اصبروا على كل التحديات والظروف، اصبروا على كل قناعاتكم وإيمانكم والتزاماتكم مهما ضغط الضاغطون، ومهما قهر القاهرون (ووطّنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا).
ومن خلال هذا الحديث نقول إن الإمام الصادق عليه السلام كان إمام الحرية الذي يؤكد أن الحرية لا تأتي من الخارج، ولكنها تنبع من الداخل، وهذا المبدأ هو المبدأ الذي أخذ به هذا العصر الذي انطلق به فلاسفته بعد مئات السنين، ليكتشفوا ما قاله الإمام الصادق عليه السلام مستوحياً ذلك من كتاب الله وسنّة نبيه.
استشراف المستقبل:
وكان عليه السلام يحدّث الناس من حوله بما كان رسول الله يحدّث به عن مستقبل الزمان، وأظنه يصوّر عصرنا هذا، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سيأتي على الناس زمان لا يُنال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر) كيف يصعد الملوك إلى عروشهم، والرؤساء إلى مراكزهم، والمتنفذون إلى مواقعهم، يقتلون ويتجبرون ليملكوا الناس ويأخذوا مواقعهم (ولا الغِنى إلا بالغصب والبخل) الظاهرة الموجودة في مسألة الغنى هي أن الإنسان يستغل الظروف المحيطة به ليأكل المال الحرام، سواء كان الغني فرداً أو جماعة أو دولة، كما أن الكثيرين من الناس يبخلون بحقوق الله تعالى وبالتزاماتهم الاجتماعية على الناس، لأنهم يخافون من الفقر إذا أعطوا ما أوجبه الله عليهم من الحقوق (ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى) بعض الناس يطلبون الشعبية والامتداد من خلال اتباع أهواء الناس (فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى) إذا كان الغنى يفرض عليه أن يتنازل عن دينه وإيمانه (وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، آتاه الله ثواب خمسين صدّيقاً). وبذلك لا يكون المؤمن عبداً للمال، ولا عبداً للمُلك، بل حراً كما أراد الله سبحانه له أن لا يكون عبداً إلا له.