إشكال حول الشفاعة

طرح العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان إشكالاً حول الشفاعة قال: (وعْدُ الشفاعة منه تعالى أو تبليغها من الأنبياء عليهم السلام مستلزم لتجرّي الناس على المعصية و إغراء لهم على هتك محارم الله تعالى، وهو مناف للغرض الوحيد من الدين من سَوْق الناس إلى العبودية و الطاعة. فلا بد من تأويل ما يدل عليه من الكتاب و السنة بما لا يزاحم هذا الأصل البديهي).
وأجاب رحمه الله عن هذا الإشكال كما يلي:
أولاً: (بالنقض بالآيات الدالة على شمول المغفرة وسعة الرحمة كقوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء] النساء:48، والآية كما مر في غير مورد التوبة، بدليل استثنائه الشرك المغفور بالتوبة).
ثانياً: (بالحل، فإن وعد الشفاعة أو تبليغها إنما يستلزم تجرّي الناس على المعصية و إغراءهم على التمرد و المخالفة بشرطين:
أحدهما: تعيين المجرم بنفسه ونعته، أو تعيين الذنب الذي تقع فيه الشفاعة تعييناً لا يقع فيه لَبس، بنحو الإنجاز من غير تعليق بشرط جائز.
وثانيهما: تأثير الشفاعة في جميع أنواع العقاب وأوقاته، بأن تقلعه من أصله قلعاً.
فلو قيل: إن الطائفة الفلانية من الناس أو كل الناس لا يعاقبون على ما أجرموا و لا يؤاخَذون فيما أذنبوا أبداً، أو قيل إن الذنب الفلاني لا عذاب عليه قط، كان ذلك باطلاً من القول و لعباً بالأحكام والتكاليف المتوجهة إلى المكلفين، و أما إذا أبهِم الأمر من حيث الشرطين فلم يعيَّن أن الشفاعة في أي الذنوب و في حق أي المذنبين، أو أن العقاب المرفوع هو جميع العقوبات وفي جميع الأوقات والأحوال، فلا تعلم نفسٌ هل تنال الشفاعة الموعودة أو لا، فلا تتجرّى على هتك محارم الله تعالى).
واعتبر العلامة أن القول بالشفاعة يشبه الوعد بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر وذلك بحسب قوله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) النساء:31، فهل نعتبر أن ذلك دعوة للتجرّي على ارتكاب المعاصي؟ قال: (فإذا جاز أن يقول الله سبحانه: إن اتقيتم الكبائر عفونا عن صغائركم، فليجز أن يقال: إن تحفظتم على إيمانكم حتى أتيتموني في يوم اللقاء بإيمان سليم قبلت فيكم شفاعة الشافعين).
ثم استعرض رحمه الله الهدف التربوي من تقرير الشفاعة معتبراً أنها: (توقظ قريحة رجائها، فلا يوجب مشاهدة ما يشاهدها من ذنوبها وآثامها قنوطاً من رحمة الله، ويأساً من رَوْح الله). وأن الأمل في الشفاعة يدفع الإنسان أحياناً إلى أن يحسُنَ إيمانُه وبالتالي: (ربما أوجب ذلك انقلاعه عن المعاصي، وركوبه على صراط التقوى، وصيرورته من المحسنين، واستغناءه عن الشفاعة بهذا المعنى، وهذا من أعظم الفوائد).