حكمة الناخب والمرشح - الشيخ علي حسن

التحلي بالحكمة من أهم مفاتيح النجاح في الحياة، بما تتضمنه من تفكير وتحليل سليم، ومن ثم اتخاذ القرار السليم، وأخيراً التنفيذ بالصورة المثلى، وقد قال سبحانه: {

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا…} البقرة:269.

حكمة الأنبياء:
وقد كانت الحكمة من صفات الأنبياء عليهم السلام، قال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ ابْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا

عَظِيمًا} النساء:54.كما ان من جملة مسؤولياتهم تعليم الناس الحكمة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ اذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ

وَالْحِكْمَةَ وَان كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران:164.

نفاذ بصيرة الناخب:
وللحكمة عطاءات متعددة، منها أنها تقدم للإنسان رؤية واضحة لتقييم الأمور على المدى البعيد..وعندما يتخلى عنها فإنه قد يتخبط كثيراً مما قد يكلفه الكثير.واليوم اذ

نعيش مقطعاً حساساً من تاريخ الوطن، فان الناخب بحاجة إلى الحكمة في تقييمه للمرشحين وعند اتخاذ القرار بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك..كما ان المرشح بحاجة إلى

الحكمة في قراراته وتصرفاته بعيداً عن حسابات مصلحته الشخصية وبعيداً عما قد يحققه على المستوى الشخصي في مقابل الخسارة الكبيرة على مستوى الوطن.

التحالف مع المتطرفين:
ومن هنا فإن مساندة أو تأييد أو التحالف مع أصحاب الفكر المتطرف، دينياً كان أم علمانياً، يمثّل سلوكاً مجانباً للحكمة مع التأكيد على ان الحكمة لا تعني السكوت على

الباطل والفساد والتطرف ولكن تعني التعامل الحكيم معها فالقاسم المشترك بين كل المتطرفين هو عدم قبول الآخر.
فالعلماني المتطرف لا يقبل الآخر مهما تشدق هذا العلماني بالديموقراطية، لأنه يرى غيره ظلاميين ومن دعاة التخلف، والإسلامي المتطرف لا يقبل بالآخر مهما تكلم هذا

الإسلامي عن شرعية الشورى، لأنه يرى الشرعية الكاملة متمثلة فيه فقط، وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أنه وحده الذي يمتلك الحقيقة الكاملة.

انقلب ضده:
إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان لجأ الغرب لدعم أو صناعة بعض الوجودات المتطرفة..ثم شاهدنا ما جرى في 11 سبتمبر، وغير ذلك مما يعاني منه العالم إلى اليوم من

صور الارهاب..وبعض المجتمعات العربية دعمت المتطرفين لقتل فئات من الشعب العراقي بعد اسقاط نظام الطاغية قتلاً عشوائياً وفق أجندة طائفية، فاذا بهم يعودون

إلى أوطانهم ولينقلوا اليها ارهابهم وأفكارهم المتطرفة..هذه هي النتيجة الحتمية للتحالف مع قوى التطرف.

تحالف لشر الوطن:
إن من الحكمة أن يعيد الناخبون النظر في دعم الأجندات المتطرفة، ودعم المرشحين الذين لا يتحلون بالحكمة في أقوالهم وفي تصرفاتهم من الذين يعتاشون على

الإثارات، وإن جمعتنا بهم عناوين الانتماء الأسري أو المذهبي أو غير ذلك.فالتحالف مع المتطرفين سواء من قبل بعض الأطراف الحكومية أو من قبل المرشحين لن يحقق

الخير للمجتمع، وان حقق بعض النتائج المصلحية الخاصة على المستوى المنظور، الا ان فساده على المدى البعيد كبير جداً.
إن الحكمة تقتضي ان يقرأ الناخبون المرشحين بعمق، فلا يتوقفون عند السطح..عزيزي الناخب..لا تغريك القشور والمظاهر، بل حدّق في الجوهر..مهما لطم بعض

المرشحين على صدورهم وشاركك شعائرك، ومهما أطال بعضهم اللحى وقصّروا أثوابهم، ومهما تشدّق آخرون بدمائهم الزرقاء وبتنوّرهم..
اقرأهم في تاريخهم..في مواقفهم السابقة..في مصداقيتهم..فيما قدّموه من خير أو شر..في اتزان سلوكهم..في خوفهم من الله..وفي ايثارِهم الوطن.
الكويت اليوم أحوج ما تكون إلى رجال حكماء من السنة والشيعة، من الحضر ومن القبليين، ليجتمعوا تحت قبة البرلمان، وليخرجوا البلاد بحكمتهم من المآزق الكثيرة

التي وقعت فيها، أو هي معرّضة ان تقع فيها على كافة الأصعدة. ان نفخ روح التطرف واللهاث وراء الإثارات قد تصب في مصلحة البعض، وتحقق لهم بعض النتائج،

الا ان كل ذلك وعلى المستوى البعيد لن يبني بلداً، ولن يحقق تنمية، بل سيمزق المجتمع بكل مؤسساته إلى أشلاء، ليُقدمه طُعمة سهلة إلى المتربصين بها دوائر السوء.