فتور الإيمان - د. إبراهيم الجنابي

في أحيان كثيرة يجد المسلم في قلبه إيماناً شديداً وفي قلبه عزماً على مقاومة وساوس الشيطان ونفسه، ثمّ تأتي عليه أوقات أخرى يفتر قلبه ويقل إيمانه وتضعف

همته.فيعجز عن تفسير أسباب هذا الفتور الذي اعترى قلبه، ويحار في اتخاذ أسباب الثبات على قوة إيمانه.
من حقيقة الإيمان أنّه يعتريه النقص والزيادة، وقد جاءت النصوص القرآنية مثبتة لهذه الحقيقة القاطعة. يقول تعالى في سورة الأنفال الآية 2: {انَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ اذَا

ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، وكل ما كان قابلاً للزيادة فهو قابل للنقصان.

أسباب فتور الإيمان:
إن نقصان الإيمان وفتوره له خمسة أسباب: الأوّل: المعاصي والسيِّئات وخاصة كبائر الذنوب، كالشرك بالله تعالى وترك الصلاة والغيبة والكذب، فانّ هذه الذنوب

تكون سبباً في انتقاص الإيمان وفتوره، ومع كثرة تلك المعاصي يتهلهل الإيمان فيصبح كالثوب المتقطع إلى ألا يبقى منه شيء.
الثاني: الشبهات والشكوك التي تعرض للمسلم، ولهذا يجب عليه ان يطرد عنه كل الوساوس والأوهام والشكوك ويداويها بدواء العلم، فكم من شبهة لا تزال بالمسلم

تصارع إيمانه حتى صرعته وأهلكته، لأنّه لم يتخذ السبيل للدواء بل تركها تكبر في نفسه وتزداد كل يوم حتى تصل إلى درجة الخروج من الإيمان بالكلية.
الثالث: الغفلة واتباع الهوى، وهي داء يعتري النفوس التي تتعلق بالدنيا وزخرفها وزينتها البالية، فلا ينتبه لنفسه الا وهو على حافة الهاوية، وربّما هوى وهو لا يشعر،

وقد يكون ذلك بسبب الافتتان بالدنيا وما فيها كالأموال والنساء وغيرها، فكم من مسلم ضل السبيل المستقيم بغفلته واتباعه للهوى.
الرابع: الملل والسأم، لأن طبع الإنسان أنّه يحب التجديد والتغيير في حياته، ولهذا نرى الناس في دنياهم يعشقون كل جديد ويطلبون أحدث الأشياء بل ويتسابقون

اليها، ولهذا ينبغي للمسلم ان ينوع العبادات في حياته في يومه وليلته، ولا يخفى ان هذا التنويع في ما عدا الفرائض فانها لا مجال فيها للتنويع الا من حيث العوارض

المصاحبة، فمثلاً ان يُصلي الفرض في مسجد أكثر جماعة أو عند قارئ يخشع لتلاوته.وأما التنويع في العبادات فأن يجعل مثلاً يوماً لصلة الرحم، ويوماً لزيارة المرضى

ويوماً للصدقة ويوماً لحضور دروس العلم وهكذا..كي لا يشعر بالملل والسآمة من العبادات ولا يفتر إيمانه بسبب ذلك.
الخامس: مصاحبة الأشرار والفساق وضعاف الإيمان، لأنّ الإنسان يتأثر دائماً بالجو المحيط به وبالناس الذين يخالطهم.