في ذكرى الأربعين الحسينية - المرجع السيد محمد حسين فضل الله

ليس هناك موعد محدّد لنا مع الحسين عليه السلام، فكلّ الزمن موعدنا معه، نذكره في كل ساعة وفي كل يوم، نحبّه، نعشقه، نذوب فيه وحتى عندما تتفجَّر دموعنا حزناً على مأساته، فإنّها تكون دموع الحبِّ والإخلاص، دموع القضية بكل ما تتضمنه من قيم، وليس دموع العاطفة فقط.
ونبقى في مدى الزمن، مهما امتدّت السنون، نتطلَّع إلى الحسين عليه السلام، ويبقى الحسين عليه السلام في عقولنا إماماً مفترض الطاعة، يحمل الرسالة ويبلّغها للناس ويتحمّل مسؤوليتها بكلِّ قوةٍ وإخلاص، لأنّ الحسين عليه السلام عاش طفولته الأولى في أحضان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت كلماته صلى الله عليه وآله وسلم من كلماته، وعاش طفولته الثانية مع أمه فاطمة الزهراء عليها السلام، السيدة الطاهرة المعصومة، الّتي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّها: «أمّ أبيها»، والتي عاشت معه صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ كيانها، وعاشت مع علي عليه السلام بكلِّ إخلاصها ومحبَّتها له.
وتحرّك شبابه مع أخيه الحسن عليه السلام في خطِّ علي عليه السلام، فكانا رفيقين له، يتحركان حيث تحرّك، وينطلقان حيث انطلق، وكانا يتعلَّمان منه كيف يصبر صبر الأحرار على التحديات التي تُوجّه إليه حفاظاً على الإسلام والمسلمين، وكانا يعيشان كلَّ فكره، وكلَّ حكمته، وكلَّ إبداعاته وعلمه، كما كانا يتطلَّعان إلى أفقه، وكان علي عليه السلام يرى فيهما الإمامين اللَّذين يرجع الناس إليهما.
لذا، فالحسين عليه السلام بالنسبة إلينا ليس مجرَّد شخصٍ ثائر ثار على الظلم، ولكنّه إمام في مستوى الرسالة، ونحن إذا ذكرنا الحسين ذكرنا الرسالة، وعشنا الرسالة، وتحمَّلنا مسؤولية التضحية من أجل الرسالة، وصبرنا على الأذى في حركة الرسالة؛ لأنّ الحسين عليه السلام كان رسالةً كلّه، فهو الإمام الذي ورث رسالات الأنبياء كلّها، وهذا ما نقرأه في زيارتنا له عندما نتوجّه إليه: «السّلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السّلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السّلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السّلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السّلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السّلام عليك يا وارث محمد حبيب الله... أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهَّرة، لم تنجِّسك الجاهلية بأنجاسها... وأشهد أنّك الإمام البر التقي الرضي الزّكيّ... أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين».