خطبة الجمعة ـ الثانية ـ 17صفر1433 ـ حكمة المرشح والناخب


ـ (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) البقرة:269.
ـ التحلي بالحكمة من أهم مفاتيح النجاح في الحياة، بما تتضمنه من تفكير وتحليل سليم، ومن ثم اتخاذ القرار السليم، وأخيراً التنفيذ بالصورة المثلى.
ـ وقد كانت الحكمة من صفات الأنبياء عليهم السلام، قال سبحانه: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) النساء:54. كما أن من جملة مسئولياتهم تعليم الناس الحكمة: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل عمران:164.
ـ وإذ لم تسعف الظروف النبي محمداً (ص) لتقديم الكثير مما عنده من الحكمة بشكل مباشر، فقد كان لأمير المؤمنين علي(ع) الدور المتمم لما نهض به النبي في هذا الاتجاه، مما علمه إياه، ومما جادت به الفيوضات الإلهية عليه، وهو ما نجده ماثلاً في كل هذا التراث الضخم من حكمه(ع).
ـ وللحكمة عطاءات متعددة، منها أنها تقدم للإنسان رؤية واضحة لتقييم الأمور على المدى البعيد.. وعندما يتخلى عنها فإنه قد يتخبط كثيراً مما قد يكلفه الكثير.
ـ اليوم وإذ نعيش مقطعاً حساساً من تاريخ الوطن، فإن الناخب بحاجة إلى الحكمة في تقييمه للمرشحين وعند اتخاذ القرار بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك.. كما أن المرشح بحاجة إلى الحكمة في قراراته وتصرفاته بعيداً عن حسابات مصلحته الشخصية وبعيداً عما قد يحققه على المستوى الشخصي في مقابل الخسارة الكبيرة على مستوى الوطن.
ـ وأرى أن أية مساندة أو تأييد أو تحالف مع أصحاب الفكر المتطرف، دينياً كان أم علمانياً يمثّل سلوكاً مجانباً للحكمة، مع التأكيد على أن الحكمة لا تعني السكوت على الباطل والفساد والتطرف ولكن تعني التعامل الحكيم معها.
ـ العلماني المتطرف لا يقبل الآخر مهما تشدق بالديموقراطية، لأنه يرى غيره ظلاميين ومن دعاة التخلف، والإسلامي المتطرف لا يقبل بالآخر مهما تكلم عن شرعية الشورى، لأنه يرى الشرعية الكاملة متمثلة فيه فقط، وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أنه وحده الذي يمتلك الحقيقة الكاملة، على طريقة (72 فرقة في النار وواحدة هي الناجية).
ـ أبان الغزو السوفييتي لأفغانستان لجأ الغرب لدعم أو صناعة بعض الوجودات المتطرفة.. ثم شاهدنا ما جرى في 11 سبتمبر، وغير ذلك مما يعاني منه العالم إلى اليوم من صور الإرهاب.
ـ بعض المجتمعات العربية دعمت المتطرفين لقتل المسلمين الشيعة في العراق بعد إسقاط نظام الطاغية قتلاً عشوائياً، وعاد بعضهم إلى أوطانهم ونقلوا إليها إرهابهم وأفكارهم المتطرفة.
ـ هذه هي النتيجة الحتمية للتحالف مع قوى التطرف. لذا أرجو من الناخبين إعادة النظر في دعم الأجندات المتطرفة، ودعم المرشحين الذين لا يتحلون بالحكمة في أقوالهم وفي تصرفاتهم ويعتاشون على الإثارات، وإن جمعتنا بهم عناوين الانتماء الأسري أو المذهبي أو غير ذلك. فالقاسم المشترك بين كل المتطرفين هو عدم قبول الآخر.
ـ إن التحالف مع المتطرفين ـ سواء من قبل بعض الأطراف الحكومية أو من قبل المرشحين ـ لن يحقق الخير للمجتمع، وإن حقق بعض النتائج المصلحية الخاصة على المستوى المنظور، إلا أن فساده على المدى البعيد كبير جداً.
ـ إن الحكمة تقتضي أن تقرؤوا المرشحين بعمق، فلا تتوقفوا عند السطح.. لا تغريكم القشور والمظاهر، بل حدّقوا في الجوهر.. مهما لطم بعض المرشحين على صدورهم وشاركوكم شعائركم، ومهما أطال بعضهم اللحى وقصّروا أثوابهم، ومهما تشدّق آخرون بأصولهم وتنوّرهم.. اقرؤوهم في تاريخهم.. في مواقفهم السابقة.. في مصداقيتهم.. فيما قدّموه من خير أو شر.. في اتزان سلوكهم.. في خوفهم من الله.. وفي إيثارِهم الوطن.
ـ الكويت اليوم أحوج ما تكون إلى رجال حكماء من السنة والشيعة، من الحضر ومن القبليين، ليجتمعوا تحت قبة البرلمان، وليخرجوا البلد ـ بحكمتهم ـ من المآزق الكثيرة التي وقعت فيها، أو هي معرّضة أن تقع فيها على كافة الأصعدة. إن نفخ روح التطرف واللهاث وراء الإثارات قد تصب في مصلحة البعض، وتحقق لهم بعض النتائج، إلا أن كل ذلك وعلى المستوى البعيد لن يبني بلداً، ولن يحقق تنمية، بل سيمزق المجتمع بكل مؤسساته إلى أشلاء، ليُقدمه طُعمة سهلة إلى المتربصين بها دوائر السوء.