التبرع بأعضاء الميت

مع تقدم العلم وتطوره، أثيرت بقوة بعض العناوين، منها مسألة وهب الأعضاء ونقلها من جثة الإنسان الميت إلى جسد إنسان آخر، فما هي فتاوى الفقهاء في هذا الإطار؟
نظرة الإسلام إلى الميت
تنطلق المسألة في جانب منها من منطلق النظرة إلى الميت وحرمة جسده، ففي الإسلام هناك احترام لجسد الميت، كما هناك احترام لحياته. ولذلك فرضت في الإسلام دية على قطع الأعضاء والتمثيل بالميت، تماماً كما هناك دية على قطع أعضاء الحي أو قتله، وحيث إن هناك قيمة معينة في مسألة احترام الجسد، فإنه من حيث المبدأ لا يجوز التشريح وانتزاع الأعضاء. ولكن هناك بعض الآراء التي يمكن لها أن تفتح باب الترخيص في هذا المجال، ومفادها أنه عندما يكون هناك ضرورة في مستوى حفظ الحياة لإنسان حي تتوقف على أن نأخذ عضواً من أعضاء الميت، مما يمكن لنا أن نزرعه في جسد هذا الإنسان، فإن من الفقهاء من يجيزون ذلك. وبعضهم قد يتحدث عن دية، وبعضهم يقول إن كل أمر مشروع لا دية فيه.
فتوى المرجع الخوئي:
س: هل يجوز للشخص أن يتبرع بأجزاء من بدنه في حياته إذا كانت لا تضر بحياته كالكلية، وهل يصح التبرع بعد وفاته؟
المرجع الراحل السيد أبوالقاسم الخوئي: ليس له التبرع بمثل ذلك من الأعضاء الرئيسية في حياته، ويجوز الإيصاء به بعد الوفاة.
فتوى المرجع فضل الله:
قال المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله: (ينطلق هذا الترخيص من قبل بعض الفقهاء، ونحن منهم، بناءً على القاعدة الأصولية المسماة «التزاحم» في المذهب الإمامي، وقد تسمى «المصالح المرسلة» في مذهب المسلمين السنّة، وهي أنّه إذا وقفنا أمام أمرين أحدهما يشتمل على مفسدة والآخر على مصلحة، ولا يمكن لنا أن نجمع بينهما، ففي مثل هذه الحالة، لا بدّ أن نوازن لنحدد الحكم الشرعي: فإذا كانت المفسدة أقوى من المصلحة، فتكون النتيجة عندئذ التحريم، وإذا كانت المصلحة أقوى من المفسدة، فإن النتيجة هي الحلّية، وقد تكون الوجوب. هنا نقول إن السنّة الشريفة ذكرت أن للجسد احترامه، لكن إذا دار الأمر بين أن يعطى هذا الميت الاحترام المعنوي الذي لا يقدّم ولا يؤخر بالنسبة إليه شيئاً، وبين أن ننقذ حياة إنسان، فإن من الطبيعي أن إنقاذ حياة الإنسان الذي يمكن أن يموت لو لم نعطه هذا العضو، هو أهم في نظر الشرع من أن تحفظ حرمة هذا الميت).
وأضاف: (ولو كان لنقل عضوٍ من الميّت أثر على توازن حياة إنسان، لا على حياته، كأخذ عين من الميّت لزرعه في جسد الإنسان الحي، فإن هناك تحفظات لبعض الفقهاء حول هذه المسألة، ولكننا مع فقهاء آخرين، نجد أن المصلحة في هذا المجال هي توازن حياة هذا الإنسان الحي ليعيش بطريقة أفضل، وهي أكثر أهميةً من الإساءة لهذا الميت في جانب معنوي لا علاقة له به. لذلك نحن نقول كلما كانت المصلحة أقوى وأهم من هذه المفسدة المعنوية، فإن المصلحة تتقدم).
وقال: (وهناك نقطة ثالثة، وهي أن الميت قد يوصي ببعض أعضائه، فليست هناك مشكلة من ناحية الاحترام، لأن الإنسان يُحترم من خلال الحرمة الذاتية له، فإذا أهدر هو احترام نفسه، وإذا أوصى بذلك، فمعنى ذلك أنه قد تنازل عن هذه الحرمة أو هذا الاحترام، فلا مشكلة عندئذٍ).
فتوى المرجع السيستاني:
جاء في كتابه منهاج الصالحين مسألة 61: إذا أوصى بقطع بعض أعضائه بعد وفاته ليلحق ببدن الحي من غير أن تتوقف حياة الحي على ذلك، ففي نفوذ وصيته وجواز القطع حينئذ إشكال، ولكن الأظهر عدم وجوب الدية على القاطع.
وأما إذا توقفت حياة إنسان على ذلك فقال سماحته في جواب على استفتاء بهذا الخصوص: إلا إذا توقف إنقاذ حياة مسلم على ذلك فيجوز حينئذ وإن لم يوص بها صاحبها، ولكن تثبت الدية على القاطع إلا مع الوصية بالقطع فلا تثبت الدية عليه.