الأحلام والرؤى /2/ الشيخ علي حسن

في العدد الماضي دار الحديث حول الموقف العملي من الرؤى والأحلام، وتوصلنا إلى النتائج التالية:
1. أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية بحسب المصدر: إما رؤيا حق، أو تسويلات شيطانية، أو حديث النفس.
2. أن التمييز بين هذه الأقسام صعب، وأن مَن عصمه الله سبحانه هو وحده هو الذي لابد أن يقترن الإلهام الإلهي له في المنام بما يتيقن من خلاله أنها رؤيا حق، سواء أكان ما رآه تكليفاً أو إخباراً عن غيب.
3. أن الرؤيا الحقة تنقسم بدورها إلى ما تكون واضحة، ورؤيا تعبيرها سهل، ورؤيا معقدة التعبير، ولا يمتلك القدرة على تعبير هذا القسم الأخير إلا القليل كالنبي يوسف عليه السلام.
كل هذا يدفعنا إلى عدم إعطاء كل هذه الأهمية التي يوليها الناس للمنامات، فتؤثر في سلوكهم الشخصي أو علاقاتهم الاجتماعية أو شؤونهم الدينية.
رؤية النبي في المنام:
إلى أي مدى يمكن الاعتماد على رؤية النبي أو الإمام في المنام، والإلتزام بمضمون تلك الرؤيا، سواء أكانت على سبيل بيان حكم شرعي أو الأمر بفعل شئ أو ترك شئ، أو بالإخبار عن المغيبات والمستقبليات، لاسيما بلحاظ المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من رآني في نومه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي)؟
الإجابة على ذلك تكون وفق النقاط التالية:
1. علّق السيد الشريف المرتضى على الخبر: (هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، ولا معوَّل على مثل ذلك).
2. اعتبر الشيخ المفيد وهو من أعلام القرن الخامس الهجري أن ادّعاء أتباع المذاهب المختلفة صحة ما يتبنونه بناء على رؤيا رآها شخص من أتباع هذا المذهب يدعوه فيها النبي إلى اتّباع فلان، ثم رؤيا شخص آخر من مذهب آخر للنبي يأمره بخلاف ذلك، هو في حد ذاته دليل على عدم صحة التعويل على الرؤى، وبتعبيره فإن: (أولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه، والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده وبطلانه).
3. نهى الأئمة عليهم السلام عن الاعتماد على الرؤى في الإخبار بالغيب والمستقبل على نحو اليقين، فعن أبي بكر بن عياش أنه قال: (كنت عند أبي عبد الله ـ جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام فجاءه رجل فقال: رأيتك في النوم كأني أقول لك: كم بقى من أجلي؟ فقلت لي بيدك: هكذا، وأومأ إلى خمس، وقد شغل ذلك قلبي. فقال عليه السلام: إنك سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهي خمسةٌ تفرّد الله بها "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ").
4. وكذلك بيّن الأئمة عليهم السلام أن الدين لا يؤخذ من خلال المنامات، سواء أكانت على سبيل بيان حكم شرعي أو الأمر بفعل شئ أو ترك شئ. ونموذج ذلك ما روي مِن أن تشريع الأذان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من خلال رؤيا رآها أبيّ بن كعب. ولذا قال العلامة المجلسي: (قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الأذان أن دين الله تبارك وتعالى أعز من أن يرى في النوم).
جواب العلامة الحلي:
وسأل السيدُ مهنا بن سنان العلامةَ الحلي وهو من أعلام القرن السابع الهجري: (ما يقول سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعض الأئمة عليهم السلام وهو يأمره بشئ وينهاه عن شئ؟ هل يجب عليه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك؟ مع ما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، وغير ذلك من الأحاديث. وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة؟ هل بين الحالين فرق أم لا؟ أفتنا في ذلك مبيّناً، جعل الله كل صعب عليك هيّناً).
فأجاب العلامة: (أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأما ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، لأن رؤيته عليه السلام لا يعطي وجوب الاتّباع في المنام).
جواب المرجع مكارم الشيرازي:
وحول الأخذ بالأوامر الصادرة في المنام عن الإمام المهدي عليه السلام ـ لاسيما في الجانب الشرعي ـ أجاب المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (ما تم تلقيه في المنام لا حجة له، وذلك بأمر أئمتنا المعصومين عليهم السلام، وكذلك فإنه بأمر أولئك العظماء إذا ادعى أحد رؤية سيدنا وحبيب كل القلوب الإمام ولي العصر أرواحنا فداه وجاء طبقاً لذلك برسالة ما فإنه يجب تكذيبه. وكذلك فإن صلاح أمركم ـ أيها الإخوة ـ أن لا تخرجوا عن إطار المسائل الشرعية، إذ نجزم بعدم رضا مولانا ولي العصر بذلك.. ولا تنسوا أنهم أمروا إذا ظهرت البدع أن يُظهر العالم علمه وإلا فعليه لعنة الله. وما قيل في الأسطر السابقة كان انطلاقاً من هذا الحديث الشريف والسلام عليكم).
وخلاصة القول إن المنامات بالنسبة إلينا ليست بحجة، ولو رأى الإنسان في المنام نبياًَ أو إماماً، فإن كان ما رآه في النوم خيراً استبشر به، وتوكل على الله. وأما التكاليف الشرعية فمناطها ما يؤخذ في الواقع من المسائل
الشرعية التي يفتي بها الفقهاء وفق بحوثهم ودراساتهم العلمية، لا من خلال ما يراه الناس في مناماتهم.