الموت الرحيم

استعرضنا في الأسبوع الماضي عنوان (الموت الدماغي) والذي يختلف عن المقصود من (الموت الرحيم) والذي يخص الإنسان الذي يعيش آلاماً مبرحة ويمكن أن يموت بعد ستة أشهر أو بعد شهر، في هذه الصورة، هل يجوز للطبيب أو ولي الميت أو الميت نفسه أن يقوم ـ أو يطلب ـ إيقاف العلاج أو فعل شئ يؤدي إلى تخليصه من آلامه بالموت؟
أجاب المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قائلاً: (لا يجوز لنا أن نقتله حتى لو طلب هو أو طلب أهله ذلك، لأننا لسنا مسلّطين على حياة أحد، حتى هو ليس مسلّطاً على إنهاء حياته. وما يدرينا، لعلّ الطب يكتشف بعد ساعة أو بعد يوم شيئاً يمكن أن يخفف عنه آلامه أو يحفظ له حياته. لذلك، فالقتل الرحيم لا معنى له في هذا الموضوع، قد يكون رحيماً في حجم اللحظة، وليس من الضروري أن يكون رحيماً في حجم الزمن، وقد يكون خلاف الرحمة في هذا المجال).
احترام الحياة:
واعتبر في موضع آخر أن القتل الرحيم: (يصطدم بنظرية احترام حياة الإنسان، فأنت عليك أن تترك الحياة تدافع عن نفسها أو أن تنهي ذاتها، فلا يجوز لك أن تنهي حياة إنسان، سواء أكنت في موقع المريض أم الطبيب.. والنقطة التي أريد إثارتها في ما يتعلق بالأخلاقيات الطبيّة، وهي تتصل بالموت الرحيم، هي أنه في النظرية الأخلاقية الإسلامية ـ وأظن عدم ابتعاد المسيحية بنظريتها عنها ـ أنّ الدّين، بمعنى إرادة الله من خلال المفاهيم التي نطلع عليها في الثقافة الدينية، كما يحمي الإنسان من الآخر فإنه يحمي الإنسان من نفسه. فكما لا يجوز قتل إنسان آخر، فإنه لا يجوز للإنسان قتل نفسه، فالمبدأ واحد، وهو احترام الحياة في كلا الحالين، وهذا الأمر لا يأتي بالنسبة للميت أو للنبات أو للجماد).
قتل الحياة:
وأضاف: (إنه يحرم قتل إنسان لأنه يحرم قتل الحياة، فأي فرق عندها بين الحياة في الآخر وبين الحياة في ذاتي؟ إنني لا أملك هذه الحياة التي هي هبة من الله، وأمانة مودعة عندي، فكما أنّ الله لم يسلطك على حياة إنسان آخر، فإنه لم يسلطك على إنهاء حياتك، بل إن الدين في هذا المجال يحرّم عليك أن تضر نفسك، لأنك ترتكب خطيئة إذا عرّضت نفسك لأي ضرر كان، صحي أو غيره).
تجزئة الأخلاق:
وقال: (إنّ الأخلاق لا تتجزأ، إنّ أخلاقياتك ليست فقط في ما تمارسه مع الآخر، بل هي في ما تمارسه أيضاً مع نفسك، وهذه هي مسألة التوازن، ولذلك فأنت عندما تكف عن معالجة المريض المبتلى بالمرض المستعصي، فأنت تقتله سلبياً، ولا فرق بين القتل السلبي والقتل الإيجابي، لأنه يجب عليك الحفاظ على حياة الإنسان الآخر حفاظك على حياة نفسك.. ثم حين يتحدّث الكثيرون عن الموت الرحيم، فإنهم يتحدثون عن مسألة الآلام الجسدية التي تصيب هذا الإنسان الذي يتطلب الموت، وإذا قررنا ذلك وقنناه كما سمعنا عن تقنين الموت الرحيم في هولندا، فأي فرق بين الآلام النفسية والآلام الجسدية، وقد جرّب بعض الناس ذلك حين كانت تحاصرهم الآلام النفسية، وكان يخيّل لهم أن الموت هو أفضل من الحياة.. وإذا فتحنا باب الموت الرحيم، فعلينا إذاً تشريعه للفتاة التي تصاب بصدمة عاطفية صعبة، أو الشاب الذي يشعر بالقلق والاضطراب، أو أن حياته لا قيمة لها، فهل نقنن لمن يصاب بصدمة عاطفية أو اقتصادية في البورصة أو في الأزمات التجارية والاقتصادية موتاً رحيماً؟ وعندها كم من الناس يحتاجون إلى موت رحيم بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها؟! إننا عندما نؤسس المبدأ، فلا يمكننا أن نحصره في دائرة، لأن المبدأ واحد.. فكيف نشرِّع ونقنن ما يهلك حياة الإنسان ويفقده قيمة وجوده).