خطبة الجمعة ـ الأولى ـ 5 صفر 1433 ـ الشيخ علي حسن ـ احذروا ما نزل بالأمم قبلكم


ـ جاء في الخطبة 192 من نهج البلاغة وهي المعروفة بالخطبة القاصعة:
ـ (واحذروا ما نزل بالأمم قبلَكم من المَثُلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال).
ـ دعوة إلى دراسة التاريخ بعين الاعتبار وبوعي وتدبر، لتتحول هذه الدراسة وهذا الوعي إلى واقع عملي، وتمعنوا في أحوالهم في مواطن القوة والضعف، واستفيدوا من تجاربهم لئلا تكرروا الأخطاء، ولتأخذوا بأسباب القوة والنجاح، ولتكن هذه الدراسة دائمة في الرخاء والشدة.
ـ (فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم. فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم فالزَموا كلَّ أمر لزِمت العزةُ به شأنَهم، وزاحت الأعداءُ له عنهم، ومدت العافيةُ فيه عليهم، وانقادت النعمةُ له معهم، ووصلت الكرامةُ عليه حبلَهم).
ـ ويشرع الإمام ببيان بعض أهم العوامل التي حققت لهم النجاحات، ثم يحذر من أهم أسباب دمار المجتمعات:
ـ (من الاجتناب للفرقة، واللزومِ للألفة، والتحاضِّ عليها والتواصي بها. واجتنبوا كلَّ أمر كسر فِقرتهم، وأوهن مِنَّتهم ـ قوتهم ـ من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي).
ـ ثم يقدّم نموذجاً من التاريخ يبين عوامل الضعف والقوة:
ـ (وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلَكم كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء. ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، وأجهد العباد بلاء، وأضيق أهل الدنيا حالاً؟ اتخذتهم الفراعنة عبيداً فساموهم سوء العذاب، وجرّعوهم المِرار. فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، ولا سبيلاً إلى دفاع).
ـ وجاءت اللحظة الحاسمة التي ستنقلب فيها الأمور لصالح المؤمنين عندما ثبتوا ولم ينهزموا أمام الباطل والطغيان، ولم يبدّلوا دينهم وقيمهم خوفاً وطمعاً، فكانت استقامتهم وهم في موقع الاستضعاف سبباً لنصرتهم:
ـ (حتى إذا رأى الله جد الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكاً حكاماً، وأئمة أعلاماً، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم) أي مستوى لم يحلموا به.
ـ وكان ضمان استمرار هذه النجاحات ودوام عزتهم وقوتهم هو وحدة كلمتهم:
ـ (فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء ـ الأقوام ـ مجتمعة، والأهواء متفقة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة والبصائر نافذة والعزائم واحدة. ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين وملوكاً على رقاب العالمين).
ـ ولكنهم لما تخلوا عن ذلك كله تبدلت أحوالهم وعادوا ضعافاً أذلاء:
(فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتتت الألفة واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحازبين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته. وبقي قَصصُ أخبارِهم فيكم عِبَراً للمعتبرين).
ـ هذه هي سنة الله في المجتمعات البشرية (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) فاطر:43-45.
ـ نسألك اللهم العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة إنك سميع مجيب.