الأحلام والرؤى - الشيخ علي حسن

يفرّق البعض بين الأحلام والرؤى، انطلاقاً مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ). ولربما قيل بأنه يمكن إطلاق الرؤيا أيضاً على ما هو باطل، بدليل ما روي أيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ).
إلا أن الذي يهمنا هنا هو معرفة الموقف العملي من الرؤى والأحلام.. ولابد في البداية من التأكيد على أن القضية مادامت ذات علاقة بالغيب، فإنه لا يمكن أن نفهمها بصورة كاملة ودقيقة، وما نقوله ـ بالتالي ـ يمثل محاولة للوصول إلى مقاربة لفهم الأمر، وما يهمنا أكثر هو معرفة الموقف العملي من هذه القضية.
أهمية الموضوع:
أما الذي يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع فهو ـ أولاً ـ الإفراط عند كثير من الناس في الاهتمام بالرؤى والأحلام، وترتيب الآثار عليها، سواء على المستوى علاقتهم بالدين أو علاقاتهم الاجتماعية أو تصرفاتهم الشخصية.
وثانياً: الدخول على الخط من قبل بعض المدّعين للعلم والاطلاع على الغيبيات ومدّعي القدرة على تعبير الرؤى بحيث يوهمون الناس من خلال كلامهم أن ما يقولونه يمثل الحقيقة، ولربما لدوافع مادية بحتة، لينطلق الناس في تطبيق ما يقولونه لهم مما قد يفسد عليهم حياتهم الشخصية أو علاقاتهم أو دينهم.
كل هذا في مقابل سكوت كثير من أهل العلم عن هذا الأمر.. وللشيخ المفيد رحمه الله (ت460هـ) كلمة في الصميم في هذا الخصوص، قال: (إن الكلام في باب رؤيا المنامات عزيز، وتهاون أهل النظر به شديد، والبلية بذلك عظيمة، وصدق القول فيه أصل جليل).
مصدر الرؤى والأحلام:
ولكي نعرف الموقف العملي من الأحلام والرؤى لابد أولاً من مقاربة لفهم حقيقتها ومصدرها، وذلك من خلال النقاط التالية:
1. الرؤى الحقيقية قد تتحقق للأنبياء كما في رؤيا النبي إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات:102، وكذلك رؤيا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما في قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح:27.. كما قد تتحقق ـ أيضاً ـ لعامة الناس كما حدث للسجينين مع النبي يوسف عليه السلام، وكذلك للملك المعاصر له.
إلا أنها عندما تكون نحواً من الوحي أو الإلهام للنبي فلابد أن تقترن بما يعزز ذلك عنده، إذ لا مجال للخطأ في تبليغ أمر، سواء على نحو الوظيفة الشرعية كما في ذبح إسماعيل(ع)، ونلاحظ قول النبي إسماعيل عليه السلام: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) فقد كانت الرؤيا نوعاً من الأمر الإلهي دون أي تردد أو شك.. أو على نحو الإخبار بأمر مستقبلي كما في الإخبار بأداء عمرة القضاء في آية سورة الفتح.
أما بالنسبة إلى عامة الناس فلا سبيل للتيقن من صدقية الرؤيا وتعبيرها. ولذا لا سبيل لغير مَن عصمه الله سبحانه أن يجزم بتكليفه بوظيفة شرعية وفق ما رآه في المنام، أو أن يجزم بأن ما رآه في المنام هو إخبار عن أمور غيبية أو مستقبلية حتمية الوقوع.
أقسام الرؤى والأحلام:
2. قسمت بعض النصوص الدينية الإسلامية ما يراه الإنسان في منامه إلى قسمين، كما في الخبر المروي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر:42، أنه قال: (ما مِن عبدٍ ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سببٌ كشعاع الشمس، فإذا أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروحُ النفسَ، وإن أذن الله في ردِّ الروح أجابت النفس الروح وهو قوله سبحانه: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا"، فمهما رأت في ملكوت السموات فهو مما له تأويل، وما رأته بين السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له).
وقريب من ذلك ما رواه السيوطي في الدر المنثور عمّا أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال: (العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على باله فتكون رؤياه كأخْذٍ باليد، ويرى الرجل الرؤيا فلا تكون رؤياه شيئاً!) فاستشهد الإمام علي بنفس الآية ثم قال: (فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسِلت إلى أجسادها تلقَّتها الشياطين في الهواء فكذَّبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها. فعجب عمر من قوله).
ومن الأحاديث ما يقسمها إلى ثلاثة أقسام كتلك التي نقلتها في البداية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ). وقد أشارت العديد من الأخبار إلى أن من أسباب الرؤيا الكاذبة هو حديث النفس الذي يضغط على الإنسان باتجاه خلق الصور الخيالية التي ترتبط بما يحدِّث الإنسان به نفسه.
كيف نميّز بينها؟
مما سبق اتضح أن ما يمكن الاعتماد عليه من الرؤى والأحلام ـ مبدئياً ـ هو قسم واحد فقط من الثلاثة، أي أن الدائرة المقبولة من الرؤى والأحلام قد ضاقت بنسبة الثلث.. ولكننا مع هذا سنواجه مشكلتين:
الأولى: كيف نميز أن ما رأيناه هو من القسم الصادق أم من القسمين الآخرين؟
الثانية: نفس هذا القسم الصادق ينقسم إلى أقسام تعقّد الأمور أكثر، قال العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان مع الاختصار: (المنامات الحقة تنقسم انقساماً أولياً إلى منامات صريحة لم تتصرف فيها نفس النائم فتنطبق على ما لها من التأويل من غير مؤنة، ومنامات غير صريحة تصرَّفت فيها النفس من جهة الحكاية بالأمثال والانتقال من معنى إلى ما يناسبه أو يضاده، وهذه هي التي تحتاج إلى التعبير بردِّها إلى الأصل الذي هو المشهود الأولي للنفس.. ثم هذا القسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما ما تتصرف فيه النفس بالحكاية فتنتقل من الشيء إلى ما يناسبه أو يضاده.. بحيث لا يعسر رده إلى أصله.. وثانيهما ما تتصرف فيه النفس بحيث يتعذر أو يتعسر للمعبر أن يردّه إلى الأصل المشهود). ويستشهد العلامة برؤيا السجينين والملك فقال: (نجد أن يوسف عليه السلام يعبِّر رؤيا الملك بتعبير لا تجد الأذهان بينه وبين الرؤيا مناسبة).
وبالتالي كيف يمكن ـ بعد هذا البيان ـ أن يثق أحدنا بما رآه، أو بتعبير ما رآه، سواء أكان هو المعبِّر أم غيره؟ وإلى هذا أشار الإمام جعفر الصادق عليه السلام مخاطباً المفضل بن عمر حيث قال: (فكِّر يا مفضَّل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء، ولو كانت كلها تكذب، لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها، أو مضرة يتحذر منها، وتكذب كثيراً لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد)... يتبع.