القول السَّديد

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب:71-72
الإيمان الحقيقي.. الإيمان بوجود الله.. والإيمان بتوحيد الله.. والإيمان بصفات الله.. وأنه السميع العليم البصير الحي القيوم العزيز الذي عنده مفاتح الغيب ويعلم ما في السماوات وما في الأرض وما من حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.. كل هذا يفرض على الإنسان المؤمن التقوى.. ولذا جاء الخطاب في الآية بنداء المؤمنين للالتزام بها.
شعور بالرقابة الإلهية:
التقوى تنطلق ـ في الأساس ـ من شعور الإنسان المؤمن بالرقابة الإلهية، وهذا الشعور يفرض أن يحسب المؤمن حساب الوقوف بين يدي الله سبحانه، وبالتالي أن يكون سلوكه في الحياة منسجماً مع ما يريده الله، بعيداً عما يُغضبه. وقد تمثل هذا المضمون في كلمة للإمام جعفر الصادق عليه السلام وهو يجيب سائلاً قال له: (قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت؟ فقال: هؤلاء قوم يترجّحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، إن من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شئ هرب منه). فإذا كنتَ تطلب الجنة وتريدها فعليك أن تطلبها بكل ما يمهّد لك الطريق إليها، وإذا كنت تخاف منالنار فعليك أن تهرب من كل ما يدفعك إلى النار.
وقد خاطب أمير المؤمنين علي عليه السلام جماعة قائلاً: (أفبهذا تريدون أن تجاوروا اللّه في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع اللّه عن جنتّه).
القول السديد:
ولذا جاء الخطاب ـ بعد الأمر بالتقوى ـ بالالتزام بمفردة مهمة تحقق القرب من الجنة والبعد عن النار، وهي القول السديد، أي القول الذي يمثّل الاستقامة والصواب والحق والعدل والخير. فعندما يكذب الإنسان فإنه لا يقول قولاً سديداً.. وعندما يغتاب فإنه لا يقول قولاً سديداً.. وعندما يتّهم الأبرياء فإنه لا يقول قولاً سديداً.. وعندما يسعى الإعلامي لإثارة الفتنة في المجتمع فإنه لا يقول قولاً سديداً.. وعندما يكذب المرشّح ويقدّم برنامجاً انتخابياً وهمياً فإنه لا يقول قولاً سديداً.. وعندما يساند العالِمُ الظالمين فإنه لا يقول قولاً سديداً.
الكلام المباح:
حتى الكلام الكثير في المباح ليس من القول السديد، وقد رأى أمير المؤمنين علي عليه السلام رجلاً يتكلم بفضول الكلام، فقال: (يا هذا، إنك تملي على كاتبيك كتاباً إلى ربك، فتكلّم بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك). فانتبِه إلى مضمون هذا الكتاب فالقرآن يقول: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق:18.
إصلاح الأعمال:
إن النتيجة الحتمية للإيمان والتقوى والقول السديد أن الله يُصلح لكم أعمالكم بأن يتممها لكم ويقبلها كاملة وينقّيها من الشوائب التي علقت بها، ويتقبلها كما لو كانت كاملة تامة، ويغفر لكم ذنوبكم.. إن هذا هو طريق الفوز العظيم الذي ليس مثله أي فوز.. فلا تتردوا ولا تستثقلوا الأمر.