الموت الدماغي

بقي الموت منذ الأزل وحتّى اليوم اللغز المحير عند الإنسان، وحاول الإنسان كثيراً أن يتوصل إلى الخلود أو إطالة العمر، كما سعى أن يكون موته هادئاً مريحاً. وقد استطاع الطب الحديث أن يحافظ على الحياة الاصطناعية لبعض الحالات المرضية. ومع التطوّر الاجتماعي وتفكّك الروابط الأسرية وارتفاع نفقات العلاج الطبي اختلفت النظرة الطبية والأخلاقية والدينية لمثل هذه الحالات، فظهر ما يسمى بالموت الرحيم، مما أثار جدلاً عنيفاً بين الأوساط الطبية والقانونية والأخلاقية والدينية.
ولتعريف الحياة والموت الدور الأساس في الموضوع، فما هي الحياة؟ وما تعريف القتل والموت؟ ماذا نعني بقدسية الحياة؟ وإذا كان هناك ما يسمى بالموت الرحيم فما هو؟ من هو الشخص الذي يستطيع أخذ مثل هذه القرارات المصيرية؟ أهو المريض الذي يعاني؟ أم الطبيب بما أوتي من معرفة طبيّة واسعة ونال ثقة المريض؟ أم الأقارب الذين ضاقوا ذرعاً من حالة مريضهم وما يعانيه؟ أم كلّهم جميعا؟
ويدور جدل فقهي حول حكم الإنسان الذي يصطلح على وصفه طبياً بـ ( الميت دماغياً)، ففتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورتيه الثامنة والتاسعة 1407هـ، أجازت رفع الأجهزة عن المتوفى دماغياً، وأقرت (أن ثبوت حالة الوفاة الدماغية يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب عن ذلك جميع الأحكام المقررة شرعاً، وفي هذه الحالة يجوز رفع جهاز التنفس الصناعي وإن كانت بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا تزال تعمل آلياً بفعل الجهاز).
بينما فتوى هيئة كبار العلماء في السعودية 1417هـ، نصت على: (عدم جواز الحكم بموت الإنسان، الموت الذي تترتب عليه أحكامه الشرعية، بمجرد تقرير الأطباء أنه مات دماغياً، حتى يُعلم أنه مات موتاً لا شبهة فيه، تتوقف معه حركة القلب والنفس مع ظهور الإمارات الأخرى الدالة على موته يقيناً، لأن الأصل حياته فلا يعدل عنه إلا بيقين).
وهكذا هو الأمر بين الفقهاء الإمامية، وفيما يلي بعض ما أجابوا به حول الموضوع:
س: إذا كان المريض ميتاً دماغياً، فهل يجوز رفع الأجهزة عنه؟
المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله: مع التأكد من حصول الموت الدماغي وعدم إمكانية الحياة لولا هذه الآلات، يجوز رفعها ولا يجب إبقاؤها.
س: ما حكم نزع الاجهزة الطبية عن المريض (الذي حكم عليه الأطباء أنه ميت دماغياً) لتركه ليموت؟ (المتوفي دماغياً وليس من دخل بغيبوبة)؟
المرجع الديني السيد علي السيستاني: لا يجوز، وهو بحكم القتل العمدي.
وقال في المسائل المنتخبة م61: المقصود بالميت في الموارد المتقدمة هو من توقفت رئتاه وقلبه عن العمل توقفاً نهائياً لا رجعة فيه وأما الميت دماغياً مع استمرار رئتيه وقلبه في وظائفهما، وإن كان ذلك عن طريق تركيب أجهزة الانعاش الصناعية فلا يُعدُّ ميّتا، ويحرم قطع عضو منه لإلحاقه ببدن الحي مطلقاً.