منهج الدعاء لدى الإمام زين العابدين - عمار كاظم

(أيها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي، أيها الناس أنا ابن مكة ومِنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن مَن حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، وخير من طاف وسعى وحج ولبّى، أنا ابن مَن حُمل على البراق وبلغ به جبرئيل سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، وابن خديجة الكبرى، أنا ابن المرمَّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء).
هذا سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا كان يوم القيامة ينادى فينا أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف). كان قيام زين العابدين عليه السلام في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عز وجل وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً. وقد روى الإمام الصادق عليه السلام: (كان علي بن الحسين شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر ذلك بجسمه فقلت له: يا أبه، كم هذا الدؤوب؟ فقال عليه السلام: أتحبَّب إلى ربي لعله يزلفني). ولقد حفظت لنا سيرة الإمام السجاد عليه السلام نمطاً من الأدعية يبلغ الذروة في الكمال والنضج والشموخ، وبلغت القمة في قوة البيان وسمو المعنى وجزالة الألفاظ، فكانت أدعيته عليه السلام غاية في الارتباط والتكامل وجهاً عبادياً وآخر اجتماعياً.
استطاع عليه السلام أن يمنح الأدعية محتوى اجتماعياً متعدد الجوانب بما تحمله من مفاهيم خصبة وأفكار حية، فكانت أدعية ذات أهداف تغييرية واضحة كل الوضوح، فهو يعلّم المؤمنين كيف يمجدون الله تعالى ويقدسونه، وكيف يلجون باب التوبة من ذنوبهم، وكيف يناجون ربهم وينقطعون إليه، وكيف يتعاملون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأولياء الله عليهم السلام بالصلاة والثناء عليهم، ثم يسلك عليه السلام بالمؤمنين درب التعامل السليم مع مجتمعهم، فيعلّمهم أسلوب البر بالوالدين ويشرح لهم حقوق الوالد على ولده، وحقوق الولد على والده، وحقوق الجيران والمسلمين بشكل عام. ويبيّن عليه السلام خير الأعمال وما يجب أن يلتزم به المسلم من سلوك، ثم كيفية التعامل في الشؤون الإقتصادية كالديون وسواها كل ذلك بأسلوب تعليمي رائع وبليغ.
لقد جمع في الصحيفة السجادية الخالدة نتاج الوعي الروحي والأخلاقي والاجتماعي، هذه الصحيفة التي تمثل نموذج الثقافة الإسلامية وحركة التوعية العامة، هذه الأدعية التي تمثل المنهج الفكري والاجتماعي والسياسي والأخلاقي.. فسلام عليه وعلى الأئمة الهداة الميامين من آبائه وابنائه ورحمة الله وبركاته.