خطبة الجمعة ـ الثانية ـ 28 محرم 1433 ـ حجية رؤيتنا للمعصوم


ـ في الأسبوع الماضي دار الحديث حول الموقف العملي من الرؤى والأحلام، وتوصلنا إلى النتائج التالية:
1. أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية بحسب المصدر: إما رؤيا حق، أو تسويلات شيطانية، أو حديث النفس.
2. أن التمييز بين هذه الأقسام صعب، وأن المعصوم عليه السلام وحده هو الذي لابد أن يقترن الإلهام الإلهي له في المنام بما يتيقن من خلاله أنها رؤيا حق، سواء أكان ما رآه تكليفاً أو إخباراً عن غيب.
3. أن الرؤيا الحقة تنقسم بدورها إلى ما تكون واضحة، ورؤيا تعبيرها سهل، ورؤيا معقدة التعبير، ولا يمتلك القدرة على تعبير هذا القسم الأخير إلا القليل كالنبي يوسف عليه السلام.
ـ كل هذا يدفعنا إلى عدم إعطاء كل هذه الأهمية التي يوليها الناس للمنامات، فتؤثر في سلوكهم الشخصي أو علاقاتهم الاجتماعية أو شؤونهم الدينية.
ـ والسؤال الآن إلى أي مدى يمكن الاعتماد على رؤية المعصوم عليه السلام والإلتزام بمضمون تلك الرؤيا، سواء أكانت على سبيل بيان حكم شرعي أو الأمر بفعل شئ أو ترك شئ، أو بالإخبار عن المغيبات والمستقبليات، لاسيما بلحاظ المروي عن النبي(ص) أنه قال: (من رآني في نومه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي)؟
ـ الإجابة على ذلك تكون وفق النقاط التالية:
1. علّق الشريف المرتضى على الخبر: (هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، ولا معوَّل على مثل ذلك).
2. ذكر الشيخ المفيد تعليقة لطيفة حول الموضوع حيث قال: (ومما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للإنسان أنه قد رأى فيها رسول الله والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، أنك ترى الشيعي يقول: رأيت في المنام رسول الله(ص) ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) يأمرني بالاقتداء به دون غيره، ويُعلمني أنه خليفته من بعده). ثم ينقل أن آخراً يرى خلاف ذلك، فيعلّق قائلاً: (فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه، والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده وبطلانه).
3. نهى أئمتنا(ع) عن الاعتماد على الرؤى في الإخبار بالغيب والمستقبل، فعن أبي بكر بن عياش أنه قال: (كنت عند أبي عبد الله(ع) فجاءه رجل فقال: رأيتك في النوم كأني أقول لك: كم بقى من أجلي؟ فقلت لي بيدك: هكذا ـ وأومأ إلى خمس ـ وقد شغل ذلك قلبي. فقال(ع): إنك سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهي خمسةٌ تفرّد الله بها "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ").
4. وكذلك بيّن أئمتنا(ع) أن الدين لا يؤخذ من خلال المنامات، سواء أكانت على سبيل بيان حكم شرعي أو الأمر بفعل شئ أو ترك شئ. ونموذج ذلك ما روي من أن تشريع الأذان على عهد النبي(ص) كان من خلال رؤيا رآها أبيّ بن كعب. فعن الإمام الصادق(ع) أنه قال حول ذلك: (دين الله أعز من أن يرى في النوم). ولذا قال العلامة المجلسي: (قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق(ع) في حديث الأذان أن دين الله تبارك وتعالى أعز من أن يرى في النوم).
ـ وسأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي: (ما يقول سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعض الأئمة عليهم السلام وهو يأمره بشئ وينهاه عن شئ؟ هل يجب عليه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك؟ مع ما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، وغير ذلك من الأحاديث. وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة؟ هل بين الحالين فرق أم لا؟ أفتنا في ذلك مبيّناً، جعل الله كل صعب عليك هيّناً).
فأجاب العلامة: (أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأما ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، لأن رؤيته عليه السلام لا يعطي وجوب الاتّباع في المنام).
ـ وقبل خمس سنوات تقريباً أثيرت مسألة إضافة مقطع مستحدث على الأذان والإقامة وتشهد الصلاة، وأجاب المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بعد مشروعية ذلك، فوجِّه إليه السؤال التالي: (كيف تقولون بذلك في الوقت الذي رأى فيه البعض الإمام المهدي عجل الله فرجه في المنام وهو يأمر بهذه الإضافة؟).
ـ فكان في ضمن إجابة سماحته ما ترجمته: (ما تم تلقيه في المنام لا حجة له، وذلك بأمر أئمتنا المعصومين عليهم السلام، وكذلك فإنه بأمر أولئك العظماء إذا ادعى أحد رؤية سيدنا وحبيب كل القلوب الإمام ولي العصر أرواحنا فداه وجاء طبقاً لذلك برسالة ما فإنه يجب تكذيبه. وكذلك فإن صلاح أمركم ـ أيها الإخوة ـ أن لا تخرجوا عن إطار المسائل الشرعية، إذ نجزم بعدم رضا مولانا ولي العصر بذلك، ولا تحملوا على عواتقكم مسؤولية ووزر صلاة الناس، لئلا تترتب على ذلك نتائج وخيمة لا سمح الله.. ولا تنسوا أنهم أمروا إذا ظهرت البدع أن يُظهر العالم علمه وإلا فعليه لعنة الله. وما قيل في الأسطر السابقة كان انطلاقاً من هذا الحديث الشريف والسلام عليكم).
ـ وخلاصة القول إن المنامات ليست بحجة بالنسبة إلينا، ولو رأى الإنسان في المنام أحد المعصومين عليهم السلام، فإن كان ما رآه في النوم خيراً استبشر به، وتوكل على الله. وأما التكاليف الشرعية فمناطها ما يؤخذ في الواقع من المسائل
الشرعية التي يفتي بها الفقهاء وفق بحوثهم ودراساتهم العلمية، لا من خلال ما يراه الناس في مناماتهم.