أخلاق عاشوراء

للأخلاق في شخصية وحركة الإنسان المسلم في الحياة الأهمية الكبيرة والحيوية، سواء أكان في مواطن الأمن والدعة والرخاء، أم كان في أوقات التحدي والمواجهة والصراع.
وقد كانت للأخلاق الرفيعة للإمام الحسين عليه السلام تجلياتها الرائعة في أجواء كربلاء، بكل ما حملته تلك الأجواء من أخبار سيئة محبِطة تمثلت في وصول نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر.
وبكل ما حملته من مواقف الخذلان المتمثلة في تبدل موقف الكوفيين، وفي الانسحابات الكبيرة من قبل النفعيين الذين سايروا الإمام وهم يتصورون أنهم سائرون لقطف ثمار انتصارٍ سهلٍ في بلد سلَّم قيادَه طواعية للإمام.
وبكل تعقيدات المعركة التي تمثلت في المواجهة غير المتكافأة عدداً بين طرفي المعركة.. وغير ذلك.. كل هذه الظروف لم تسلخ الإمام الحسين عليه السلام عن أخلاقه الرفيعة، لأنها جزءٌ لا يتجزأ من شخصيته العظيمة.
أخلاقه مع نفسه:
فقد تمثلت أخلاقه مع نفسه، التي كان حريصاً عليها، لأنها أمانة الله عنده، من خلال حرصه على أن لا يعرِّضها للذل والهوان، وأن يؤكد سموَّ نفسه وعظمتَها، حيث رفض أن يبيعها إلا بالثمن الأغلى الذي تستحقه وهو الجنة، وكان قوله الخالد: (ألا إن الدّعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السّلة والذّلة، وهيهات منا الذّلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون).
أخلاقه مع أنصاره:
وتجلت أخلاقه الرفيعة في علاقته مع أصحابه، وقد خاطبهم في ليلة العاشر في الظرف العصيب الذي يبحث فيه القائد عن الأنصار: (إن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فان القوم لا يريدون غيري). لئلا يحمّلهم مسؤوليةً استحياءً منه أو خوفاً.
أخلاقه مع أعدائه:
وتجلت أخلاقه كأروع ما يكون في علاقته مع أعدائه حين التقى بجيش الحر، فأمر أصحابه بأن يسقوهم الماء ويرشفوا خيولَهم، وكلاهما يقطعان الطريق في مفاوز قفار سحيقة، لا يفرِّط فيها أحدٌ بقطرة ماء، في لمحة إنسانية ملائكية يندر أن يكون لها نظير في تاريخ البشرية.
القدوة الحسنة:
ومن هنا فإن على من يقتدي بسيد الشهداء أن يؤصّل الأخلاق في شخصيته وفي حركته، لتكون جزء لا يتجزأ منها، حاضرة في الشدة والمحنة كما تحضر في الرخاء والأمن، وكما قال الله تعالى: (إنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ) المعارج:19-35.