خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول أوضاع مجلس الأمة واحتمال الاستدراج الإلهي ج1


ألقيت في 20 مارس 2009

ـ (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:44-45) ـ سنة إلهية: تحكي الآية سنة من سنن الله تعالى في البشر، قد تتحقق على مستوى الفرد، وقد تعم على مستوى الجماعة والأمة، فأسباب الهداية والصلاح تتوالى عليهم، والابتلاءات التي تهدف لتذكيرهم بالله تشملهم وتحيط بهم، ولكنهم يأبون إلا التمرد والتغافل والتعالي.
ـ فقدان المشاعر: خضوع الناس للعقدة الشيطانية المستحكِمة، وللأهواء الشخصية العابثة، وللعناوين المحدودة الممزِّقة، تحوِّل قلوبهم إلى حجارةٍ صماء لا تتفاعل بالمؤثرات الروحيّة ولا بالإثارات الفكرية.
ـ ثم يأتي الاستدراج من الله لهم ليمعنهم في ضلالهم وغيّهم ليزدادوا بُعداً وكفراً (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (الأعراف:182-183) ـ النبي: (إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا ـ وهو مقيم على معاصيه ـ ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ{ إلخ الآيتين).
ـ علي: (يا بن آدم، إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره).
ـ الإمام الهادي(ع): (إن قنبراً مولى أمير المؤمنين(ع) دخل على الحجّاج بن يوسف، فقال له: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ فقال: كنت أوضّيه، فقال له: ما يقول إذا فرغ من وضوئه، فقال: كان يتلو هذه الآية: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فقال الحجاج: أظنه كان يتأولها علينا؟ قال: نعم. فقال : ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك؟ فقال: إذن أسعد وتشقى. فأمر به).
ـ وهذا يعني أن على الإنسان أن لا يعتدّ بما لديه من قوة وسلطان ومال ورجال وجاه، وهو غارق في العصيان، وأن لا يعتبر ذلك دلالة رضا الله عنه، لأنه قد يكون نوعاً من الاستدراج.
ـ والنهاية البئيسة لا تعني بالضرورة نزول حجارة من السماء أو انشقاق الارض وابتلاع ما عليها، بل قد تكون بفتن تحرق كل شئ، وإلا فما قيمة بلد لا تسمع في أصدائه إلا أزيز الرصاص، ولا يبيت إلا على القتل، ولا يستيقظ أهله إلا على كارثة ودمار كما نشاهده في بعض البلاد التي لا تخمد فيها الفتن.
ـ وأخوف ما أخافه أننا نعيش في الكويت حالة الاستدراج.. أنا أتساءل ونحن نعيش في نعم وفيرة في هذا البلد الصغير الذي أغدق عليه الله بالكثير من عطاياه.. ليس فقط على المستوى الاقتصادي.. دول كانت تعيش النظام البوليسي الرهيب، والكويتي يتمتع بحرية النقد والتعبير.. دول محرومة من دستور ينظّم حياتها السياسية والاجتماعية والقانونية والأمنية والاقتصادية، والكويت منذ 61 تتمتع بدستور راق من حيث المضمون وإن أبدى عليه البعض شيئاً من الملاحظات.. دول لا تعرف المشاركة الحقيقية للشعب في الحكم، والكويت برلمانها منذ عشرات السنين يقدِّم نموذجاً في المشاركة الشعبية لسائر الشعوب.. وهذه نعم عظيمة لا يعرف حجمها إلا من فقدها.
ـ والمشاركة الشعبية في الكويت ليست طارئة، ولا هي بشئ مستورد، ولا هي وسيلة لخداع الشعب، بل هي أصيلة راسخة.
ـ المرحوم العقاد في موضوع بعنوان (الديمقراطية الإنسانية) يفرّق بين الديمقراطية الأصيلة الراسخة، وتلك القشرية الظاهرية. وإن كنت أختلف معه في العنوان (الديمقراطية) ولكن المهم هو الفكرة. قال: (إن شريعة الإسلام كانت أسبق الشرائع إلى تقرير الديمقراطية الإنسانية، وهي الديمقراطية التي يكسبها الإنسان لأنها حق يخوِّله أن يختار حكومته، وليست حيلة من حيل الحكم لاتقاء شر أو حسم فتنة، ولا هي إجراء من إجراءات التدبير تعمد إليها الحكومات لتيسير الطاعة والانتفاع بخدمات العاملين وأصحاب الأجور).
ـ وهذه نعمة أخرى، ولكن للأسف فإن البعض لا يدرك قيمة هذه النعم، ويحسب أن استمرار النعم مع كل الخربطات الحاصلة دليل خلودها، فوزارة لا تصمد شهرين، ومجلس لا يصمد سنة، وصراخ يغلب العقل والحكمة.
ـ وإذا كنا لا نملك اختيار الوزراء، فإننا نملك اختيار أعضاء البرلمان، ومسئوليتنا أن نمارس هذا الحق بشكل مسئول، وأن ندفع الناس ليمارسوه بشكل مسئول، حتى لا يأتي اليوم الذي ينتهي فيه الاستدراج وتبدأ العقوبة.