خطبة الشيخ علي حسن غلوم بعنوان الكويت آلام وآمال ج1


ألقيت في 20 فبراير 2009

ـ (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:34) ـ تعيش الكويت هذه الأيام أفراحها بعيدها الوطني ويوم التحرير، وكلاهما من نعم الله عزوجل علينا، فالاحتلال والوقوع تحت نفوذ الآخرين ذل وتخلف، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة على لسان بلقيس ملكة سبأ، الأمر الذي يعكس رجحان عقلها في إدارة شئون دولتها.
ـ وبمناسبة الحديث عن بلقيس اطلعت على رواية رواها القاضي أبو محمد الكرخي في كتابه عن الصادق عليه السلام قال: (قالت فاطمة عليها السلام : لما نزلت: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) هبت رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقول له يا أبة، فكنت أقول: يا رسول الله. فأعرض عني مرة أو اثنتين أو ثلاثا ثم أقبل علي فقال: يا فاطمة إنها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر. قولي: يا أبة، فإنها أحيى للقلب وأرضى للرب. واعلمي أن الله تعالى ذكر اثنتي عشرة امرأة في القرآن على وجه الكناية (اسكن أنت وزوجك الجنة) حواء (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) امرأة فرعون (وامرأته قائمة) لإبراهيم (وأصلحنا له زوجه) لزكريا (الآن حصحص الحق) زليخا (وآتيناه أهله) لأيوب (إني وجدت امرأة تملكهم) بلقيس (إني أريد أن أنكحك) لموسى (وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا) حفصة وعائشة (ووجدك عائلا) خديجة (مرج البحرين) فاطمة (عليها السلام) ثم ذكرهن بخصال: التوبة من حوا (قالا ربنا ظلمنا) والشوق من آسية (رب ابن لي عندك بيتا) والضيافة من سارة (وامرأته قائمة) والعقل من بلقيس (إن الملوك إذا دخلوا قرية) والحياء من امرأة موسى (فجاءته إحديهما تمشي) والاحسان من خديجة (ووجدك عائلا) والنصيحة لعائشة وحفصة (يا نساء النبي لستن كأحد - إلى قوله - وأطعن الله ورسوله) والعصمة من فاطمة عليها السلام (ونساءنا ونساءكم)).
ـ وبالعودة إلى الحديث عن الوطن والوطنية بودي أن أقرأ على مسامعكم كلمات كتبتها منذ أيام بهذه المناسبة وتعبر باختصار عن رؤى وآلام وآمال، أقول فيها:
يسألونك عن الوطن قُـلْ: الوطن انتماءٌ تتجذر عروقه في أعماق الوجدان.. ومشاعر تهيج بالنفس في كل آن.. وعملٌ مخلص لا تكلّ معه الأبدان..
يسألونك عن الوطن.. قُـلْ: الوطن عزٌّ لا غنى للإنسان عنه.. وهويةٌ ترسم معالم الوفاء له.. ومسئوليةٌ تُحتِّم الدفاع عنه.
يسألونك عن الوطن.. قُـلْ: الوطن خيرٌ لا ينضبْ.. وشموخ لا يركعْ.. وكبرياء لا يطغى..
يسألونك عن الوطن.. قُـلْ: وهل يعرف ما الوطن ذاك الذي لا يرى فيه إلا سبيلاً لزيادة ثرواته.. أو محطةً طارئةً في مسار حياته.. أو مرتعاً خصباً لإشباع أهوائه؟!
يسألونك عن الوطن.. قُـلْ: لا يعرف ما الوطن ذاك الذي يدمّر فيه كل جميلْ.. ويزرع فيه أشواك الحقدْ.. ويغتصب من كنوزه لذة ساعةْ.
وطني.. اشتملتُ في أحضانكَ رداءَ الحنانْ.. وقرأتُ في كتابكَ عزَّ الحياةْ.. وشممتُ في ثَراكَ ريح الوجودْ.. فدُمتَ وطنَ الخيرْ.. وعشتَ يا وطني.. يا كويتْ.
ـ الموارد الضخمة التي ترفل الكويت في نعيمها، والمخلصون الذين عملوا لرفعة البلد بعد الاستقلال، والنهضة التي عاشتها الكويت حتى بات هذا البلد الصغير بمساحته قِبلة للعقول وحركة رؤوس الأموال، ومنطلقاً للتنمية في كثير من الدول النامية، ومقصداً للسياسيين لرسم معالم حركتهم.
ـ هذا كله صار خبراً من الماضي يتحسر عليه أبناء الوطن المخلصون، ويتندرون على والواقع المؤلم الذي وصلت إليه البلد حتى باتت الكويت في ذهنية بعض أبنائها الطامحين وطناً طارداً.
ـ الدكتور حسن حنفي يعرف الوطن الطارد بأنه: (الوطن الطارد هو الوطن المفكك الذي فقد قدرته على الجذب، وغاب مشروعه الوطني، وانهارت تجارب حداثته المتعددة، والمواطنون كالأنقاض فيه تتدحرج هنا وهناك بعد أن انهار البناء كي تـُبنى من جديد في مكان آخر. الوطن الطارد فقد قلبه وغاب عقله، وتجمدت أطرافه، وقد تتقطع أوصاله حتى يتحول كله إلى أقليات وسط عالم يتوحد مركزه، وتتفتت أطرافه باسم العولمة).
ـ إذا أردنا أن نتحدث فقط عن العقول والكفاءات العربية ، فقد ذكر وزير التخطيط بدولة الإمارات: وفقاً لإحصاءات جامعة الدول العربية وبعض المنظمات المهتمة بظاهرة هجرة العقول العربية، فإن الوطن العربي يسهم بـ 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية، حيث يهاجر 50% من الاطباء و23 % من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين الى اوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص، فيما لا يعود 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج الى بلدانهم.
وأوضح المعلا أن دول اوروبا الغربية وأمريكا تحتضن حالياً أكثر من 450 الف عربي من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا، وتقدر الخسائر الاجتماعية العربية من جراء ذلك بحوالي 200 مليار دولار، في حين يشكل الاطباء العرب في بريطانيا وحدها حوالي 34% من مجموع الاطباء العاملين فيها، وتستقطب ثلاث دول غربية غنية هي امريكا وكندا وبريطانيا نحو% 75 من المهاجرين العرب. واليوم فإن العولمة تتيح حرية انتقال القوى العاملة مما يعمق الجرح.
الأسباب:
1ـ عدم توفير البيئة المناسبة للسيطرة التامة على الكفاءات في اي قطر عربي مما نتج عنه تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة.
2ـ عدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي وتحديث مناهج التعليم
3ـ ضيق الحريات الفردية والجماعية
4ـ انخفاض مستويات الدخل وعدم كفاية المردود المادي لحياة لائقة
5ـ جاذبية الوسط العلمي وتوفير معامل البحث العلمي وفرص البحث المرتبطة بها في البلدان المتقدمة
6ـ ضعف عملية التنمية في بلدانهم وعجزها عن استيعاب الطاقات المنتجة ذات الكفاءة العالية، وما ينتج عن ذلك من تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والمشكلات التي تعاني منها عملية التطور
7ـ اضافة الى ان العديد من هذه الكفاءات لا تجد ذاتها في مجال عملها.
ـ كلام مؤلم ولكنه قد يتحول إلى واقع لا سمح الله في الكويت مادامت الأمور تسير بهذه الصورة التي نعيشها اليوم من مصلحية وفساد إداري وتغليب الذات على المصلحة العامة واستنزاف الموارد دون تخطيط.
ـ أنا لا أوافق الشباب الكويتي الذين يفكرون بالهجرة لتحقيق طموحاتهم، لا أوافقهم على الاستسلام السريع.
نسأل الله تعالى أن يحفظ الكويت وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق أبناءها للنهوض بها، ولعل أشمل دعاء في المقام قولنا: اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة وعلى المستمعين بالإتباع والموعظة وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة وعلى موتانا بالرأفة والرحمة وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالإنابة والتوبة وعلى النساء بالحياء والعفة وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة وعلى الفقراء بالصبر والقناعة وعلى الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الأسراء بالخلاص والراحة، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة إنك سميع مجيب.