من آيات الحج ـ 5

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) المائدة:95.
{عَدْلٍ}: العَدل ما عادل الشيء من غير جنسه. والعِدل المِثل. تقول: عندي عِدل غلامك أو شاتك إذا كانت شاة تعدل شاة أو غلامٌ يعدل غلاماً.
{وَبَالَ}: الوبال: ثقل الشيء في المكروه، ومنه قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل: 16] أي ثقيلاً شديداً.
حكم شامل:
هذا هو الحكم الذي تم التمهيد له من خلال الآية السابقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وهو حكم يشمل جميع المحرمين، ولا يخص تلك الحادثة. وظاهر (التعمد) ما يقابل الخطأ الذي هو القتل من غير أن يريد بفعله ذلك، كمن يرمي إلى هدف فأصاب صيداً، ولازم ذلك وجوب الكفارة إذا كان قاصداً لقتل الصيد، سواء كان على ذكر من إحرامه أو ناسياً أو ساهياً، لأن السهو والنسيان يقابلان العلم لا العمد.
كفارة الصيد:
الجزاء (الكفارة) في هذه الحالة تكون من النعم المماثلة لما قتله، ويتم اللجوء إلى رجلين من المسلمين من ذوي العدالة في الدين ليدققا في التحديد.. وقد ذكر الفقهاء امثلة على ذلك: (في قتل النعامة بُدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش بُدنة أو بقرة، وفي قتل الظبي والأرنب شاة ...إلخ).
والكفارة تقدَّم هدياً يُهدي به بالغ الكعبة، بحيث ينحر أو يذبح في الحرم بمكة أو بمنى على ما تبينه السنة النبوية الشريفة.. وقدمت الآية خصلتان أخريان من خصال كفارة قتل الصيد، وهل هي في مجموعها مرتبة بحيث إن لم يستطع أن ينحر أو يذبح فينتقل إلى الإطعام فإن لم يستطع فالصيام؟ اعتبر بعض المفسرين أن كلمة (أو) لا تدل على أزيد من مطلق الترديد، والشارح السنة الشريفة، غير أن قوله (أو كفارة) حيث سمى طعام المساكين كفارة ثم اعتبر ما يعادل الطعام من الصيام لا يخلو من إشعار بالترتيب بين الخصال.
عاقبة المعصية:
وقد اعتبرت الآية الشريفة أن هذه العقوبة هي تبعة ثقيلة في مقابل ما اقترفت يد المحرم عن عمد، لتُثير في نفوس المؤمنين الشعور العميق بالهول العظيم من انتقام الله من المتمرّدين، وذلك من أجل أن يذوق المتمرد عاقبة أمره فيرتدع عن التعدي على حدود الله، وذلك هو التشريع الجديد الَّذي يُحاسب النَّاس على أساسه في ما يستقبلونه من التعدي على حرمات الحرم، أو الإحرام، أمَّا الأفعال المماثلة الّتي مارسها النَّاس فيها قبل هذا التشريع، فليس لله على النَّاس فيها شيء، إذ لم يسبق فيها تحريم من الله ليؤاخذهم به. وليس للتشريع في الإسلام مفعولٌ رجعيٌّ، لأنَّ الله لا يُعاقب النَّاس في الدنيا والآخرة إلاَّ في ما أقام عليه الحجَّة بالأمر والنهي. (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) يبدو أنَّها تأكيد لحكم وجوب الكفَّارة باعتبارها لوناً من ألوان الانتقام العملي في الدنيا، بالإضافة إلى عذاب الله، وذلك من أجل المقابلة بين حالة العفو وحالة الانتقام في تلخيصٍ سريعٍ للموضوع.