الإمام الصادق والتربية الاقتصادية ـ 2 - د. حسناء ديالمه

معظم النشاطات الاقتصادية والمعيشية للفرد تنشأ من نظرته إلى الثروة. وتقويم هذا التصور سوف يؤدي إلى محاولة تقويم السلوك الاقتصادي. وانطلاقاً من هذا المفهوم، فقد اهتم الإمام جعفر الصادق عليه السلام بتكوين معرفة صحيحة حول المال وكل ما يتعلق به، على أساس معطيات الكتاب والسُّنة. ويمكن تلخيص ذلك في نقاط ذكرنا منها اثنتين في العدد السابق، ونكمل من خلال ما يلي :
ثالثاً ـ تقويم النظرة إلى الربح والكسب:
1. التوازن بين الربح المادي والمعنوي: تهدف كافة الاقتصاديات الوضعية – من رأسمالية وإشتراكية – إلى تحقيق النفع المادي ـ فقط ـ لأتباعها، فغاية النشاط الإقتصادي الرأسمالي هو أن يحقق كل فرد أكبر قدر من الربح والكسب المادي، وغاية النشاط الإقتصادي الإشتراكي هو أن يحقق كل مجتمع أكبر قدر من الرفاهية والرخاء المادي. أمّا النشاط الاقتصادي في الإسلام فلا يهدف إلى تحقيق النفع المادي فحسب، بل لتحقيق المنافع المعنوية والروحية التي تحقّق السعادة الدائمة للإنسان في الدنيا والآخرة.
ومن هنا نجد أن الإمام الصادق عليه السلام يعترف بأهمية الربح بالنسبة للعمل الاقتصادي، وقد سئل: (إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطر حرام وهو من الرّبا. فقال: وهل رأيت أحداً اشترى، غنيّاً أو فقيراً، إلا من ضرورة؟! قد أحلّ الله البيع وحرّم الرّبا، واربح لا تربُ). فالإمام يصرّح بأنّ الربح والسعي وراء حصوله أمر مشروع، بيد أنّه يجب ألا يخرج عن قواعد الشرع الحنيف بما يحقّق مصالح الفرد والجماعة معاً.
2. العلاقة بين الكسب والعمل: إنّ النشاط الإقتصادي للفرد المسلم يرمي إلى الخروج من الفقر وتأمين المعاش على حد الكفاية، ولم يتحقّق هذا الهدف إلا عن طريق الاهتمام بالكسب، ولكنّ الاقتصاد الإسلامي جعل في طرق الكسب بعض الضوابط التي تكفل سلامة الفرد والمجتمع وعدم انحرافهما. فالكسب والتملك مباحان من حيث المبدأ، ولكنّهما مقيّدان بأن يكونا حلالاً من مأخذه، حلالاً في استخدامه، وحلالاً في إنفاقه، فلا يكون من غصب أو سرقة أو غش أو احتكار أو ربا وما شابه.
ومن أهم الضوابط التي عيّنها الإسلام في هذا الصدد مبدأ تنظيم الكسب من خلال جهد الإنسان وعمله، ولم يسمح بتحصيل المال بدون عمل، فالجهد البشري هو سبب الملكية والإنتاج سواء في حالات التفاعل المباشر مع الطبيعة، أم بالتفاعل مع الأشياء في مرحلتها الثانية مرحلة التكييف والتصنيع. وقد سئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن: (الرجل يتقبل العمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه، قال الإمام: لا، إلاّ أن يكون قد عمل فيه شيئاً). وقد يعمّق الإمام في بعض الأحيان المفهوم ذاته بأسلوب آخر فيقول: (إني لأكره أن أستأجر الرحى وحدها، ثمّ أؤجِّرها بأكثر ممّا استأجرتها، إلاّ أن أحدِث فيها حدثاً).
فالإمام الصادق يوجه التفكير إلى أنّ الكسب لابدّ أن يكون بمقدار ما يبذله الإنسان من سعي وكدح في الحياة، فلن يحصل المال الطيّب إلا بجهدٍ وعناءٍ ومخاطرة.