خطبة الجمعة ـ الأولى ـ 17ذوالقعدة1432 ـ تصحيح العلاقة بالنبي وآله


ـ في الكافي وأمالي الصدوق عن جابر بن يزيد الجعفي، قال الباقر عليه السلام: (يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بمحبتنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة والإنابة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت يا بن رسول الله، ما نعرف اليوم أحداً بهذه الأوصاف! فقال عليه السلام: يا جابر، لا تذهبن بلك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً. فلو قال إني أحب رسول الله فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم، ثم لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنته، ما نفعه حبه شيئاً، فاتقوا واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين أحد قرابة. أحبٌّ العباد إلى الله عز وجل اتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر، فوالله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، وما لنا على الله من حجة. من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع).
ـ لعلنا عملنا ـ من خلال خطابنا الديني وبصورة مكثفة ـ على زرع مفهوم مخالف لما في الحديث السابق وأحاديث أخرى مشابهة، وترسَّخ ذلك في اللاوعي الشيعي، وينعكس لا إرادياً في بعض الكلمات.
ـ مثال على ذلك تكرار العبارة التالية: (اللهم ارزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم).. عبارة من حيث المضمون لا خلاف على شرعيتها، وأنها تمثل أمنية كل مؤمن محب للنبي وآله عليهم السلام، سواء فيما يخص الزيارة أو الشفاعة.. ولكنها عبارة مبتورة قاصرة عن ما يفترض أن تكون عليه أمانينا في هذا الإطار.
ـ فهل يجب فعلاً أن تكون علاقتنا بهم قائمة على هذين العنوانين فقط؟ وهل خلق الله النبي وآله عليهم السلام كي يموتوا فنزورهم، ثم يحيون ليشفعوا لنا؟ وهل خلقنا الله سبحانه وتعالى بهدف البحث عن الشفاعة؟ هل هذا هو هدف الخلقة؟ هل قدّم النبي وآله ما قدموا من تضحيات فقط لنزورهم ولينالوا مقام الشفاعة؟
ـ وبعبارة أخرى: هل من الصحيح أن نؤطر طبيعة العلاقة التي تربطنا بهم في هذين العنوانين فقط، أم أن الله حمَّلهم ما حملهم من مسؤوليات نهضوا بها واستقاموا في طريقها وضحّوا من أجلها كي يساهموا في تحقيق الغاية من الخلق: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات:56؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن الله غني عن عبادتنا، وأن العبادة محطة يحتاج إليها الإنسان كي يرتقي ويعود إلى أحسن تقويمٍ خلقه الله عليه في عقله وروحه وفطرته.
ـ ولا يخفى عليكم أن هذا التقويم يتحقق بعدة طرق من أهمها الاقتداء والاتباع: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) آل عمران:31.. فما بالنا إذاً لا نذكر ذلك؟ لماذا لا يسعفنا وعينا ولا وعينا في ذكر ذلك كلما سألنا الله سبحانه أن يقوّي العلاقة بيننا وبينهم؟ المسألة هي: ماذا رسخنا في الوعي واللاوعي الشيعي بخطابنا الديني.
ـ هذا هو الذي يجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (ما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟) لأننا نغفل أحياناً عن الأطر الرئيسية التي تشكل معالم الشخصية الشيعية كما يجب أن تكون.
ـ إن أئمتنا عليهم السلام في الحديث الذي بدأت به كلامي ـ وفي غيره ـ يقولون لنا: قبل أن تتمنوا زيارتنا وتطلبوا شفاعتنا عليكم أن تسعوا للاقتداء العملي بنا وتطلبوا التوفيق لاتّباعنا، فولايتنا لا تنال بالأمنيات، وإنما بالعمل الصالح والورع والتقوى. ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام لمن توهم كفاية الإيمان والحب: (ما أنصفتمونا أن كُلِّفنا بالعمل ووُضع عنكم).. وعلينا أن نتذكر أن تصحيح المفاهيم خطوة في طريق إصلاح الذات.
ـ اللهم ارزقنا في الدنيا اتباعهم والسير على خطاهم والعمل بما عملوا والانتهاء عما انتهوا... اللهم إنا نسالك وندعوك ونتوسل إليك بمحمد وآله أن لا تفرّق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً.