التداوي بالقرآن ـ ج 2 ـ الشيخ علي حسن

طرحت في الأسبوع الماضي تساؤلاً حول شرعية الاستشفاء بالقرآن، وبيّنت أن آية: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) الإسراء:82، لا تدل على المطلوب، وأن قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) أيضاً لا دلالة له على ذلك. وأن السيرة العملية للنبي وآله كانت التداوي بالطب والأدوية المتعارفة في زمانهم.
مئات الأحاديث:
وهناك قرابة الألف رواية عن النبي وآله عليهم السلام في المصنفات الشيعية تقدّم وصفات علاجية بالأعشاب وأمثال ذلك من العلاجات المتعارفة في ذلك الزمن ولمختلف الأمراض، وقد أورد الحر العاملي لوحده في كتابه (الفصول المهمة) أربعمائة واثنين وثلاثين رواية في هذا المجال. بالطبع ليس كل هذه الروايات صحيحة، وهي تحتاج إلى دراسة علمية متأنية، وقد قال عنها الشيخ المفيد: (اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنها على وجوه: منها ما قيل على هواء مكة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية. ومنها ما أخبر به العالم على ما عرَف من طبع السائل، ولم يتعدّ موضعه، إذ كان أعرف بطبعه منه. ومنها ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس. ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله. ومنها ما حُفظ بعضه ونُسي بعضه). ولكنها على كل حال تعطي قناعة إجمالية بأنهم كانوا يتداوون بالطب ووسائله ويوجّهون الناس إلى ذلك، وإلا لاكتفوا بالقرآن وتلاوته.
نفي العلية:
وبالتالي لا يستقيم ما طرحه البعض من أن اللجوء إلى الطب والأطباء والعلاجات الدوائية ينافي التوحيد الفاعلي، أو أن الاعتقاد بوجود العلل للأشياء ينافي العقيدة الصحيحة كما قال أحدهم:
والفعل في التأثير ليس إلا للواحد القهار جل وعلا
ومن يقل بالطبع أو بالعلةِ فذاك كفرٌ عند أهل الملةِ
ومن يقل بالقوة المودعـةِ فذاك بِدَعي فلا تلتفـتِ
معالجة الروايات:
على كل حال هناك روايات تنص على التداوي ببعض الآيات من قبيل ما رواه ابن سابور في كتابه (طب الأئمة) وهي رواية ضعيفة السند مروية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاة قط فقال بإخلاص نية ومسح موضع العلة [وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا] إلا عوفي من تلك العلة، أية علة، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول: [شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ]).
فإن صحت الرواية فلم لم يلجأ النبي وآله إلى ممارسة ذلك الأسلوب للشفاء من عللهم ولعلاج أهلهم وأصحابهم، بل تم اللجوء إلى طبيب يهودي تارة وطبيب نصراني تارة أخرى.. والموارد متعددة؟
نعم يمكن أن نعتبر هذه الروايات وروايات أخرى تتحدث عن عوذات ورقى معينة تُقرأ لكل مرض، بأنها توجه
المريض للجوء إلى الله سبحانه، لأن كل شئ بيده، فهي بالتالي:
عامل معنوي:
مساعد في تقوية الإرادة وبث الروح القوية الصامدة في وجه آثار المرض، وإزالة حالة الخوف والقلق، مما يساعد الدواء في تحقيق تأثيره الإيجابي. فالتأثير النفسي للقرآن الكريم يندرج تحت قوله سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد:28.
وسيلة للدعاء:
وطلب الحاجات منه عز اسمه، وقد قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر:60، وتأتي بالتالي موازية مع التطبب والتداوي، ولا تلغي دوره.
علاج نفسي:
في حال كون المرض بنفسِه ذي بُعد نفسي. ففي قصة النبي يوسف عليه السلام نجد أن أباه يعقوب عليه السلام تأثر معنوياً لفراق ابنه فقال تعالى في وصف ذلك: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) يوسف:84.. ولذا كان علاجه معنوياً أيضاً، حيث قال لهم يوسف: (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) يوسف:93 وهذا ما تحقق فعلاً: (فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) يوسف:96.
أمراض تحولية:
ومن الثابت علمياً أن هناك بعض الأمراض الجسدية تكون ذات أساس نفسي تصيب الإنسان في مناطق معينة من جسمه وتعرّف بأنها: (عُصاب تحولي تتحول فيه الانفعالات المزمنة إلى أعراض جسمية كالعمى والشلل والصمم والبكم، وليس لها أساس عضوي). ولربما يكون ما يشاهد في ما يبث فضائياً من شفاء بعض المرضى من الشلل مثلاً تحت تأثير قراءة الإنجيل والترانيم أو غير ذلك على يد قسيس في أجواء ومراسيم معينة من هذا القبيل، وليس بالضرورة أن يكون حالة تمثيلية تصنعية.
والخلاصة أن السبيل للتداوي هو الطريق العلمي مع اللجوء إلى الله سبحانه بالدعاء والصدقة والتوكل عليه، وتأتي تلاوة القرآن الكريم كعامل مساعد يتقرب فيه العبد من خلاله إلى الله ويبعث بواسطته روح السكينة والطمأنينة في نفس المريض ومَن يهمهم أمره.