من آيات الحج ـ 2 - بقلم الشيخ علي حسن

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة:2.
شرح المفردات:
{لاَ تُحِلُّواْ}: لا تتصرفوا بها بكل حرّية بعيداً عن قواعد الحل والتحريم.
{شعائر الله}: ذهب البعض إلى أنَّها شاملة لكل حرمات الله ومعالم أمره ونهيه، وذهب آخرون إلى أن ما في الآية يختص بالحج لاسيما بلحاظ السياق ولأن كلمة (شعائر) استعملت في القرآن 4 مرات كلها في الحج.
{الْقَلائِدَ}: الإبل التي يعلق في عنقها ما يدل على أنها من الهدي.
{ءَامِّينَ}: قاصدين .
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}: لا يحملنكم أو لا يبعثنكم بُغضُهم .
سبب النزول:
قال السدي: (أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده، وخلَّف خيله خارج المدينة، فقال: إلامَ تدعو؟ وقد كان النبي قال لأصحابه: يدخل عليكم اليوم رجل من بني ربيعة يتكلم بلسان شيطان، فلما أجابه النبي قال: أنظرني لَعلّي أُسلم ولي من أشاوره، فخرج من عنده، فقال رسول الله: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر. فمّر بسَرح ـ أنعام سائمة تعلف في البر ـ من سروح المدينة فساقه وانطلق به. ثُمَّ أقبل من عام قابل حاجاً قد قلَّد هدياً، فأراد رسول الله أن يبعث إليه فنزلت هذه الآية {وَلا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}). وقيل: (نزلت يوم الفتح في ناس يأمّون البيت من المشركين يُهلّون بعمرة، فقال المسلمون: يا رسول الله إنَّ هؤلاء مشركون مثل هؤلاء دعنا نُغير عليهم، فأنزل الله تعالى الآية).
احترام الشعائر:
وفق ما جاء في أسباب النزول فإن الآية واردة في مقام حض المسلمين على حفظ واحترام الشعائر والأشخاص والمواقف التي ترتبط ببعض العبادات أو الأوضاع العامة المتعلقة بالتخطيط للسلام في الحياة أو الأماكن المقدسة. وبالطبع فإن إطلاق كلمة الشعائر على الأمكنة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ) البقرة:158، والأشياء (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ) الحج:36، ليس بلحاظ ذاتها، بل باعتبار الأعمال التي تؤدى فيها والمعاني التي ترمز إليها، وبذلك يكون النهي عن استحلالها، نهياً عن تجاوز الحدود والفرائض الّتي أوجبها الله فيها مما يدخل في طاعته والانقياد له.
أما النهي عن استحلال الشهر الحرام، الّذي جعله الله عنواناً للشهور الأربعة: رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم، فلكي يكون للنّاس في حياتهم زمن سلام يستريحون فيه إلى أمنه وطمأنينته، ويعملون فيه على الدعوة إلى تقوية أواصر السلام والمحبة فيما بينهم من خلال ما يعيشون فيه من أجواء الخير والسعادة.
وفي ختام ذلك، نهى عن الاعتداء على الذين يؤمون البيت الحرام ويقصدونه ابتغاء رزق الله عن طريق التجارة، أو الحصول على رضى الله وفق أساليبهم العباديّة الخاصة لله وإن كانت غير خالصة له.
إباحة الصيد:
بعد أن حرّمت الآية الأولى من السورة الصيد بالنسبة إلى المحرم، عادت لتبيحه بعد التحلل من الإحرام، لأنَّ التحريم كان بسبب حالة الإِحرام، فجاز للإنسان بعد زوالها العودة إلى حالة الحِل الّتي يمارس فيها حريته في كل ما أحلّه الله له في الأصل، من صيد أو غيره. (يتبع)