طلِّقها .. وإلا .. بقلم الشيخ علي حسن

يفترض أن تكون العلاقة بين الأم وزوجة الابن (الكنّة) قائمة على أساس من الود والاحترام والتسامح ومراعاة طبيعة العلاقة الاجتماعية الجديدة وتفهّم كل طرف لنفسية الآخر وخصوصياته، بلحاظ قدومه من بيئة أسرية مختلفة وأسلوب متمايز في الحياة.. ويزداد الأمر ضرورة وأهمية إذا كانت الكنّة ستعيش مع أم زوجها في نفس البيت.
إلا أن عديداً من الأسر ـ لاسيما حديثة التكوين ـ تعاني من مشكلة تدخل أم الزوج وانفعالاتها العصبية التي قد تصل إلى حد مطالبة الابن بتطليق زوجته أو تنكيد العيش عليها، مما قد يؤدي إلى تفككها، وذلك بسبب غيرة أم الزوج، أو جهلها في طريقة التعامل مع الكنّة، أو لانعكاسات نفسية تعود لتجارب سابقة عاشتها هذه السيدة مع أم زوجها، أو لجهل الكنّة في أسلوب التعامل مع أم زوجها، أو للجفاء الذي يتلبس طبيعة العلاقة بين الولد وأمه بعد زواجه وإقباله على زوجته أو إيثاره الصمت وعدم التدخل على أمل صلاح الأمور من تلقائها، أو لتهربه من المشكلة إلى أن تتفاقم الأمور وتتعقد، وغير ذلك من الأسباب. ولذا لابد من تقديم رسائل لمثلث المشكلة: أم الزوج ـ الزوجة ـ الزوج.
أم الزوج:
اتقي الله في ابنك وزوجته، وضعي حدوداً للغيرة والحسد وإثارة المشاكل التي قد يعود ضرُّها عليك في المقام الأول.. واجعلي نفسك ميزاناً، أتحبين أن تكوني في موقع الكنّة المظلومة، التي تعاني ما تعانيه من ضغوط نفسية، وصراعات أسرية، تشعر معها بتهديد مستقبل حياتها الزوجية، وضياع أبنائها في خضم احتمالية الطلاق؟ وتذكري أن الله سبحانه لا يرضى بالظلم، ويعاقب عليه في الدنيا والآخرة، وأن سعادة ولدك هي من سعادتك.
تجاوزي وساوس الشيطان، وذكريات الماضي البئيس التي رسمت طبيعة العلاقة مع حماتك، وتذكّري أن بمقدورك أن تجعلي من هذه الكنّة ابنةً تحنو عليكِ، وتعينك في قادم الأيام، وأن تكون وسيلة ليزداد ابنك بِراً، بدلاً من أن تدفعيه للعقوق أو لتدمير حياة حلَمَ أن تكون جميلة هادئة هانئة مع زوجة اختارها، أو اخترتها له فأحبها.
كوني أماً لها.. أمٌّ رؤوم تحيطينها بحنانك، وتغفرين لها زلاتها، وتعطينها من خبرات الحياة ما يعينها في مسؤولياتها تجاه زوجها وأبنائها.
الزوجة:
عليكِ بالصبر والصفح والتغاضي عن الزلات واحتساب الأجر ما أمكنك ذلك، فسعادة الزوج أحد أركان الحياة السعيدة، وسعادة الزوج من سعادة والدته.. قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللهِ...) النحل:127، فإنّه بالصبر والرفق واحتساب الأجر عند الله تعالى تتآلف القلوب وتتقارب النفوس، والله تعالى إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق.
واجعلي من اللجوء إلى الله الذي بيده مفاتيح القلوب، ومن حسن الظن والتفاؤل والرضا والحلم مبادئ تعتمدين عليها في التعامل مع تصرفات حماتك، وقد قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت:34-36.
الزوج:
لعلك ـ أيها الزوج ـ بحاجة إلى العناصر الأربعة المذكورة في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الجمعة:2، فأنت بحاجة إلى الجانب المعرفي والأخلاقي والشرعي والحِكَمي.. أن تعرف طبيعة العلاقة التي تربطك بوالدتك التي عنوانها التعامل بالمعروف، وأنها نحو من العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وأن لا تنسى وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الإطار: (أُمّك ثمّ أُمّك ثمّ أُمّك).. وأن توصل هذه الرسالة واضحة إلى زوجتك وتفهمها ذلك، وتؤكّد لها أن السعادة المنشودة في البيت الجديد لن تتأتى إلا بنيل رضا الأُم ودعائها، وما من زوجة صالحة ترضى بأن تكون سبباً في عقوق الابن لوالدته، وأن عليها أن تعينك في تجاوز المشكلة.
نعم، أنت غير ملزم من الناحية الشرعية بطاعة والدتك في مسألة تطليق زوجتك، ولا يجوز لك أن تسئ إلى الزوجة التي لم يصدر منها ما تستحق من خلاله تلك الإساءة، وعليك أن تعرف أن طبيعة العلاقة بينك وبين زوجتك هي التعامل بالمعروف والحب والمودة والرحمة.
وأخيراً فإن لإعمال عقلك وحكمتك في التصرف الدور البارز في حسن التعامل مع المشكلة، وتلافي ظلم أيٍّ من الطرفين، أو تجاوز الحد الشرعي، أو تداعي البناء الأسري وتفككه.