سُـكْر الشباب - الشيخ علي حسن

عن الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام: (سُكْرُ الْغَفْلَةِ وَالْغُرُورِ أبْعَدُ إفَاقَةً مِنْ سُكْرِ الْخمُورِ).
المغرور في الأصل هو المخدوع، الذي خدع نفسه نتيجة بعض العوامل الإيجابية التي يمتلكها، كالجمال الجسدي، أو القوة الجسمانية، أو النجاحات التي يحققها على المستوى العلمي أو الإعلامي أو المهني، أو عناصر القوة التي نالها كالغنى المالي أو الامتداد الجماهيري وهكذا.. فيغفل وينسى حقيقة أن المسألة نسبية ومؤقتة وقابلة للزوال، وأن حكمة التفاوت بين الناس إنما هي من أجل أن تتكامل الحياة من خلال ذلك، كما قال سبحانه: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) الزخرف:32، لا للتعالي على بعضهم البعض، كي يجره ذلك إلى الترفع على الآخرين و التكبر عليهم، سواء في المعاملة أو في قبول النصح والمشورة أو غير ذلك، وكما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَوْعِظَةِ حَجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ).
غرور مستورد:
وقد يكون الغرور ناتجاً عن خداع الآخرين له من المنافقين والمتزلفين والمنتفعين الذين ينفخون فيه روح العجب لينخدع ـ وبتعبير الإمام علي يدخل في حالة من السُّكر الذي يعطّل عمل العقل ـ فيصاب بالغرور ومن ثم بالكبر.
سُـكْر الشباب:
ولعل المقوّمات التي يتمتع بها الشباب في مرحلتهم العمرية تجعلهم أكثر عرضة عن أفراد سائر المراحل العمرية للإصابة بهذا المرض النفسي المدمر على مستوى دين الشاب، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية، وكذلك على مستقبله المعيشي في مجال العلم والعمل والمهنة.
ولذا نجد هذه الحالة من التمرد والنظرة الفوقية من الشباب للوالدين ـ مثلاً ـ عند توجيههم ونصحهم، فالغرور يؤدي دوره السلبي في تحقير طريقة تفكير الوالدين والأولويات التي يوجهون أبناءهم نحوها، وفي تقديمهم لخبراتهم الحياتية لأبنائهم حرصاً عليهم.
تقديم الخبرات:
ويبيّن أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيته لابنه الحسن الهدف من تقديم خبراته: (فَبَادَرْتُكَ بِالأدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ).
فمنطلق الوالدين في تقديم النصح ما قاله علي عليه السلام في نفس الوصية: (وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي).. فليس منطلق الأمر ـ غالباً ـ هو الرغبة في السيطرة والتحكم، ولكنّ سُـكْر الشباب يمثل حجاباً يمنعهم من إدراك هذه الحقيقة أو قبولها.
العقل دواء الغرور:
وأهم ما يمكن أن يساعد الشاب في مواجهة الغرور هو تنمية دور العقل في الجانب السلوكي وتقييم الشخصية، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: (لاَ يُلْقَى الْعَاقِلُ مَغْرُوراً).. فالعلاقة بين العقل والغرور عكسية، فكلما أمعن الشاب في التفكير في تلك النصائح والتوجيهات، كلما أدرك منطلقها ونتائج الأخذ بها، وتجنب بالتالي الانخداع بما تصوّر له نفسه، أو بما يصوّره له الآخرون من أمور ليست واقعية، أو متضخمة الصورة.. وفي المقابل كلما عطّل دور العقل غروراً وتمرّداً كلما كان عرضة للوقوع في شراك نفسه أو شراك الآخرين.