من آيات الحج 1


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ الاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ان اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} المائدة:1.

شرح المفردات:
{الْعُقُودِ}: جمع عقد بمعنى معقود.وأصله عقد الشيء بغيره: أي وصله به كما يعقد الحبل.والعقد أوكد العهود.
والفرق بين العقد والعهد، ان العقد فيه معنى الاستيثاق والشدّ، ولا يكون الا بين متعاقدَيْنِ.والعهد قد ينفرد به الواحد.
{بَهِيمَةُ}: البهيمة في اللغة الحيوان الذي لا نطق له لما في صوته من الابهام، ولكن العرب لا يطلقون هذا اللفظ على الطير.
{الاَْنْعَامِ}: قيل هي خصوص الابل والبقر والغنم، أو عموم الحيوانات الأهلية.
{حُرُمٌ}: جمع حرام، أي متلبسين بالاحرام للحج أو العمرة.

الوفاء بالعقود:
أول ما يلفت الانتباه في الآية هو علاقة الوفاء بالعقود بحرمة الصيد وحلية الانعام بحسب ظاهر الآية، فهل يمكن تأكيد ذلك؟ أم نتوجه لفهم الآية بصورة مغايرة؟ هذا الأمر يستدعي بدايةً معرفة ماهية العقود المقصودة في الآية الشريفة.
ذكر الطبرسي في تفسيره مجمع البيان أربعة أقوال:
-1 العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضاً فيها على النصرة على من بغاهم سوءاً.فلربّما خُيّل اليهم ان انفصالهم عن العقيدة الجاهلية يبرر لهم نقض تلك العهود، فأراد الله ان يبيّن لهم ان الاسلام يؤكد الالتزام بالعقود حتّى للكافرين، ما دامت سائرة على النهج الَّذي لا يبتعد عن حدود الله.
-2 العهود الّتي أخذ الله، سبحانه، على عباده بالايمان به وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم.ويؤيدون هذا القول، بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} الرعد:25.
-3 العقود الّتي يتعاقدها النّاس بينهم ويعقدها المرء على نفسه، كعقد النكاح وعقد البيع وعقد الحلف.
-4 ان ذلك أمرٌ من الله لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في التوراة والانجيل في تصديق نبيّنا(ص) وما جاء به من عند الله..وهذا أضعف الأقوال.
ولعل الأقرب ان تكون الآية واردةً على سبيل القاعدة العامة الّتي تشمل كل عقد يعقده الانسان، ولا حاجة للتقييد بمورد خاص أو قضايا معينة..وهذا المعنى قد يساعدنا في ايجاد نحو من الارتباط بين صدر الآية وبين ما يليه.

علاقة ذلك بالصيد:
يذكر بعض المفسرين وجود علاقة بين صدر الآية وبين حلية الأنعام وحرمة الصيد حال الاحرام، فكأن الآية تأمر بالالتزام بكل المواثيق التي يعقدها الانسان المؤمن، ومن بينها المواثيق الالهية التي تشمل الالتزام باباحة ما أحل الله والانتهاء عما حرّم، وعليه فان على المؤمن انطلاقاً من هذه المقدمة أن:
-1 لا يأكل من بهائم الأنعام الا ما أباحه الله له منها، فقد حرّم ما جاء في قوله لاحقاً: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ الاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ} الآية 3.
-2 ولا يلجأ الى الصيد كوسيلة للحصول على طعامه خلال فترة الاحرام وذلك في قوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} الاية 1.وستحدد آية أخرى حرمة الصيد بالبري منه، قال سبحانه: {أحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} الآية 96.
رأي مخالف: ويذكر آخرون ان الآيات لم تنزل لتعالج موضوعاً واحداً على طريقة الأبحاث العلمية الّتي تُخضع البحث لموضوع واحد تلتزم بارجاع كل عناصره اليه بل انَّها نزلت لتثير أمام الانسان جوانب متعددة: فقد يتعلق بعضها بتصوراته وقناعاته الفكرية، وبعضها الآخر بأفعاله وعلاقاته ومعاملاته، منطلقاً من العام الى الخاص في الحديث، وقد يتحدّث عن الخاص ثُمَّ يعقبه بالعام، وقد لا يكون هناك رابط موضوعي بين الحديثين الاَّ فيما يتصل ببناء الجوانب الانسانية على الصورة الّتي يريدها الله للانسان..معتبرين ان هذه الآية هي من الآيات التي عالجت أكثر من موضوع، ولا ترابط بين صدرها وبين ما يليه.