إعدام مرتد - الشيخ علي حسن

يطرح موضوع عقوبة الردة كواحدة من الإشكالات على التشريعات الإسلامية، حيث تكون العقوبة هي الإعدام، إما بحق المرتد الفطري (من كان مسلماً في الأصل ثم ارتد) أو بحقه وبحق المرتد الملّي (من كان على دين ثم أسلم ثم ارتد).. وبالتالي يعتبر أصحاب هذا الإشكال ان هذه العقوبة:
1 - غير متناسبة مع حجم الفعل، فمن ارتد سينال عقوبته في الآخرة، أما في الدنيا فلربما لا يصدر منه قبيح على مستوى السلوك الخارجي بما يستحق معه عقوبة الإعدام.
2 - غير متوافقة مع حرية الرأي والعقيدة المكفولة بقوله سبحانه: {لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256).
سأقدم النقاط التالية كإجابات لهذا الإشكال ولكن بصورة إثارات متنوعة في محاولة لفهم هذا التشريع من نواح مختلفة متعددة الأوجه.

الردة عند الآخرين

لا تختص عقوبة الإعدام للمرتد بالتشريع الإسلامي فقط، ففي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 13: (واذا أغواك سراً أخوك ابنُ أمك أو ابنُك أو ابنتُك أو امرأة حضنِك أو صاحبُك الذي مثلُ نفسك قائلاً نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من آلهة الشعوب الذين حولك القريبين منك أو البعيدين عنك من أقصاء الأرض الى أقصائها فلا ترض منه ولا تسمع له ولا تشفق عينُك عليه ولا ترق له ولا تستره، بل قتلاً تقتله. يدُك تكون عليه أولاً لقتله ثم أيدي جميعِ الشعب أخيراً. ترجمه بالحجارة حتى يموت، لأنه التمس ان يطوحك عن الرب الهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، فيسمع جميع إسرائيل ويخافون ولا يعودون يعملون مثل هذا الأمر الشرير في وسطك).
وفي القرن الخامس عشر الميلادي أقرت الكنيسة الكاثوليكية قانون الردة عن المسيحية بحيث كما ذكر المؤرخون الغربيون كانت العقوبة القصوى هي الإحراق في المحرقة أحياءً ان لم يعترفوا بالذنب قبل بدء المحاكمة، فإن اعترفوا بعد صدور الحكم فيُرحم بشنقه أولاً ثم إحراقه). وقد نال هذه العقوبة الآلاف في أوروبا. ولست في مقام تبرير الحكم الشرعي الإسلامي، ولكن السؤال: لماذا يوجَّه هذا الإشكال الى الإسلام فقط، ويغض الطرف عن غيره؟ فإن أثبتنا أن هذا هو التشريع الإسلامي بحق المرتد، فلن يكون بدعاً عن غيره.

ليس ضرورة فقهية

عقوبة الإعدام للمرتد ليست من الضرورات الفقهية غير القابلة للمناقشة، ويعود ذلك لأسباب:
1 - القرآن لا دلالة فيه على الحكم المذكور، بل ربما تُدّعى دلالته على العكس كما في آية {لاَ اكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
2 - الأحاديث عند دراستها قابلة للمناقشة في سندها، وكذلك في دلالتها على المطلب.
3 - العقل لا دلالة له على الحكم المذكور.
ولذا ناقش بعض الفقهاء في هذه العقوبة من جهات منها: (هل ان حد الردّة حكم مولوي تشريعي أو أنه حكم تدبيري يقره الحاكم ضمن ظروف معينة قد ترتفع فيتغير الحكم؟) فإن كان مولوياً لم يحق لأحد رفعه أو تغييره، وهو يتسم بالثبات والديمومة. وإن قلنا إنه تدبيري فسيكون حكماً مؤقتاً قابلاً للتغيير أو التجميد من قبل الحاكم الذي بيده السلطة الشرعية. ويرى البعض أنه من المعقول جداً ان الإسلام اتخذ هذا الإجراء الشديد في بداية تأسيس المجتمع الإسلامي الفتي والذي كان يواجه المخاطر من الخارج والداخل كالمنافقين وذوي النفوس المريضة الذين كانوا يتربصون بها الدوائر.. فيكون التشدد ازاء حالات الردة أمراً مفهوماً ووجيهاً لئلا تؤدي ردة من هنا وردة من هناك الى تعريض الكيان برمته الى خطر الانهيار.

خيانة المجتمع

ولو افترضنا أنه تشريع مولوي، فيراه البعض من باب العقوبة على خيانة المجتمع الإسلامي الذي يعيش فيه، وأنه لا يخص مجرد الردة الفكرية، وإنما هو ناظر الى الردة التي تمثل خروجاً على النظام الإسلامي أو تتحول الى عمل تمردي أو انشقاقي أو عدواني، ما يجعل الردة مساوية لما يعرف فقهياً بالحرابة، باعتبار ان إعلان الردة يمثل سعياً لتحدّي وهدم الأساس الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية، وهو الدين الإسلامي. ومن الطبيعي لكل دولة ان تسعى للحفاظ على المبادئ التي تأسست عليها، وأن تضع العقوبة المغلظة كالإعدام لمن يسعى لهدم أساس من أسسها.. وإلا فإن هذا المرتد لو احتفظ بقناعاته لنفسه ولم يخرج بها الى العلن لم يُعاقب.
ولربما يشهد على ذلك القيد الموجود في نهاية الخبر التالي المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحلّ دم امرئ مسلم شهد ألا اله الا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة). على اعتبار ان مفارقة الجماعة يعني الإجهار بذلك، بما يمثل صورة للتحدي والسعي للتخريب أو الانضمام لأعداء الدولة الإسلامية.
ومن هنا أيضاً لربما يقال ان حكم الإعدام لا يُنفّذ عندما لا يكون الحكم في الدولة قائماً على أساس ديني إسلامي، لأن عنوان الخروج على النظام الإسلامي غير متحقق حينئذ من الأساس.

مفهوم الاستتابة

الاستتابة سواء قلنا إنها من حق كل مرتد، أو المرتد الملِّي فقط تعني الحوار مع المرتد، بدعوته الى طرح الأسس التي ارتكز عليها في انكاره للإسلام، والدخول في حوار مع العلماء المختصين حول كل تلك المفردات بكل حرية وموضوعية، من أجل اقناعه بالخطأ الذي وقع فيه في رفضه للدين وخروجه منه، فاذا امتنع من الدخول في الحوار، أو بقي على سلبيته بعد إقامة الحجج عليه، فإن ذلك يدل على أنَّه ينطلق في موقفه من حالة عناد يبيّت من خلالها نية سوء تجاه المجتمع الإسلامي.
ثم إن المحاورين اذا لم يمتلكوا الردود المقنعة للمرتد ولا الدليل على صحة كلامهم وخطئه، فليس لهم عليه أيّة حجة في ارتداده وايقاع العقوبة عليه.

حكم الشاك

ثم لابد من تعريف دقيق للردة.. وهل يعتبر الشاك مرتداً أم لا..؟ وقد اعتبر بعض المحققين ان من لديه شبهة وشكاً لا يُعد مرتداً، بل اعتنى الإسلام بحالة الشك عند الإنسان اذا كان موضوعياً في شكه ومخلصاً في حركته نحو الحقيقة، وهناك حديثان عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام يؤكدان ذلك، ففي أحدهما: (لو ان الناس اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا). وسأله شخص قال له: (رجل شك في الله؟ قال كافر، قال شك في رسول الله؟ قال: كافر، ثم عقّب، انما يكفر اذا جحد). أي أنه مادام في دائرة الشك الذي يتحرك في اتجاه اليقين من خلال البحث فإنه ليس كافراً.

الجهل بالإسلام

ويضاف الى الشاك من عاش من المسلمين في عزلة بعيداً عن المجتمعات الإسلامية، ولم يصلهم شئ عن حقيقة الإسلام سوى أنهم ورثوا هذا العنوان عن أسلافهم، وفي المقابل أخضعوا لعمليات ضخ تربوي وإعلامي مناهض للدين عموماً أو للإسلام خصوصاً، كما حصل لمجتمعات إسلامية إبان العهد الشيوعي مثلاً.. فهل يمكن اعتبار هؤلاء فيما لو تركوا دينهم مرتدين من الذين يستحقون عقوبة الإعدام، وبلا استتابة ولا إقامة الحجة والدليل عليهم؟! لا أظن أن أحداً من الفقهاء ممن يملكون حس الواقعية والفهم الموضوعي يقول ذلك.. والحدود تُدرأ بالشبهات.