استخر ولكن... (2) - الشيخ حسين الخشن

استعرضنا في القسم الأول من هذا الموضوع مفهوم الخيرة ودليل شرعيته، ونكمل ببيان بعض الملاحظات:

الاستخارة ليست بديلاً عن التفكير

لابد أن يستنفذ المرء التفكير في المسألة ودراستها من جميع جوانبها بهدف التعرف على ما فيه مصلحته أو مفسدته ليقدم على الفعل أو الترك وهو على بصيرة من أمره. ان هذه الدراسة لابد منها، لأن الاستخارة ليست بديلاً عن التفكير، ولا ترمي الى تجميد العقل، أو إقالته من مهامه، والله سبحانه وتعالى أراد لنا أن نتحرك وفق منطق السنن، وأن ندرس الأمور بروية وتدبر، وعليه فما يفعله البعض من المبادرة الى استخدام الاستخارة قبل ان يُكَلِّف نفسه عناء البحث ودراسة الأمور في سبيل التعرف على ما هو الأصلح له، ان ذلك بالتأكيد عمل غير مرضي من الناحية الدينية، وربما مثّل نوع انحراف عن المسار العقلائي العام الذي أرادنا الله أن نتحرك في ضوئه في حياتنا، كما ان ذلك يعكس أيضاً شخصية اتكالية مترددة لا تملك الثقة بالنفس، وليس لديها جرأة اتخاذ القرار، ولذا تلجأ الى الاستخارة، تهرباً من تحمل المسؤولية.

الاستشارة قبل الاستخارة

كما أن التفكير العقلائي الجاد لابد أن يسبق الاستخارة، فإنه لابد ان تسبقها المشورة أيضاً، فبعد أن تتم دراسة المسألة من جميع وجوهها ولا يصل المرء الى نتيجة مرضية، أو يبقى حائرًا، فيجدر به وقبل اللجوء الى الاستخارة ان يلجأ الى أهل الرأي والعقل، ليستشيرهم ويستنير بآراهم، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها)، واذا بقي المرء محتاراً ومتردداً حتى بعد مشاورة الآخرين من ذوي الرأي والتجربة، فبإمكانه – آنذاك - ان يلجأ الى الله من خلال الاستخارة.