خطبة الجمعة بعنوان قسوة القلب ـ والعدوان على غزة ـ الجزء الأول لسماحة الشيخ علي حسن غلوم


الجزء الأول من خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي حسن غلوم حول قسوة القلب و الخطبة الثانية حول العدوان على غزة

ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74) ـ فطرة الإنسان في خشوع القلب ونبض الحياة فيه، بل إن إنسانية الإنسان تنعكس من خلال الرحمة والتفاعل مع مشاعر الآخرين. فمن أين تأتي القسوة؟
1ـ قال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً). (المائدة:13) 2ـ علي: (وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).
3ـ الباقر: (إياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب).
4ـ الصادق: (فيما ناجى الله عزوجل موسى عليه السلام: يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملَك فيقسو قلبُك، والقاسي
القلب مني بعيد).
5ـ الصادق: (كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب).
ـ وهناك أسباب أخرى تؤدي إلى تجرد الإنسان من المشاعر وقسوة القلب وتعود إلى سني الطفولة، منها:
1ـ التعلم الاجتماعي، وينقسم إلى تعلم مباشر (الائتمار)، وغير مباشر (الأفلام)
2ـ الاقتداء والتقليد لاسيما لمن هم قدوة بالنسبة إليه كالأب أو زميل صاحب كارزما
3ـ تعلم إجرائي بأن يلمس نتيجة قسوته بشكل مباشر بحصول نتيجة يعتبرها إيجابية كالشعور بالراحة أو المكسب
4ـ للتنفيس عن عقدة حقارة يشعر بها
وهذه تؤدي إلى عدم تطوّر الضمير عند الطفل، كما تؤدي إلى تراكم التجارب حتى تتحول إلى حالة مرضية مستعصية لتتشكل بالنهاية شخصية معقدة متجردة من كل إحساس.
ـ زين العابدين: (وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزوجل والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه).

الخطبة الثانية
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (الشورى:13-14).
ـ في الآيتين امتنان من الله سبحانه وتعالى على أمة محمد بإنزال التشريعات التي تمثل امتداداً للشرائع السابقة بدءً من نوح وختاماً بعيسى. واستمر الناس على شريعة نوح إلى أن أنزل الله شريعة إبراهيم التي استمر عليها الناس إلى شريعة موسى ثم عيسى ثم خاتمهم محمد.
ـ ومن ضمن ما جاء في هذه الشرائع: التأكيد على عدم التفرُّق في الدين، إلا أن واقع الحال هو وقوع التفرق بين أتباع الشرائع السماوية، وفيما بين أتباع كل شريعة بدافع الظلم والحسد على الرغم من البيان الإلهي للحقائق وإقامة الحجة عليهم. وهؤلاء لا يستحقون الحياة، ولولا أن الله سبحانه أخذ على نفسه أن يفسح لهم المجال ليعيشوا إلى أجل مسمى، لكان إهلاكهم هو الجزاء الأنسب في الحياة الدنيا.
ـ وفي الآية تحذير وتنبيه لأمة محمد، إلا أن ما جرى عليهم لم يخرج عن هذا الإطار.
ـ من نتائج هذا التفرق عملية الفرز لكثير من الأمور. أمثلة:
ـ الصحابة (عندهم مسألة السب تخص 20 تقريباًَ، وعندما تأتي لسب علي ولعنه على المنابر لا يرف لهم جفن، ولمقتل الحسين يوقعون عليه اللوم ـ ونحن لا نعرف منهم إلا عشرة).
ـ التعامل مع يوم عاشوراء (تركيز على صيامه ـ بعضنا يسعى لتأطير القضية في مسار ليفتح بوابة الطعن)
ـ التعامل مع قضايا الأمة: (محاولة استئثار سنية بقضية غزة وتحييد موقف الشيعة: وفد علماء المسلمين ـ الكتابات ـ لبنان لكم وفلسطين لنا ـ نحن صدقنا فلا تفاعل بالمستوى المطلوب، وإلا فإن الأحداث التي تجري في غزة اليوم مدعاة لربط قضية الحسين بالواقع المعاش: الطبخ / التطبير).
ـ آهٍ لو كان عليٌّ بيننا ماذا كان يقول في هذا الموقف؟ (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كَلْم ولا أريق لهم دم. فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا. فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى يغار عليكم ولا تغيرون. وتغزون ولا تغزون. ويُعصى الله وترضون).
ـ المرجع الراحل السيد محسن الحكيم أصدر فتوى صريحة وواضحة في إسناد العمل الجهادي في فلسطين ضد الصهاينة، وأجاز المشاركة فيه، بل وأردف ذلك بإجازة صرف الزكاة والأخماس في العمل الفدائي.
ـ أين علماؤنا وخطباؤنا وكبراؤنا اليوم من مجازر تذكّرنا قهراً بما جرى في عاشوراء؟ هل تستحق القضية أن يتعامل معها كثير من خطباء المنبر الحسيني بهذا البرود؟ أليست قضية الحسين هي قضية المظلوم وتحدي الظلم؟ فأي صورة نريد تكون أكثر وضوحاً لتتحرك الدماء في عروقنا؟ ألسنا نذكر القاسم الذي لم يبلغ الحلم وعبدالله الرضيع المقتول في حجر أبيه لا لذنب إلا لأنه ابن الحسين؟ ألسنا نذكر حرائر بيت النبوة وما وقع عليهم من ظلم وسبي وهتك للحرمات؟ فهل ما يجري اليوم في غزة سوى ذلك؟ إذا كنتم لا تصدقون فشاهدوا المناظر التالية.
ـ (ولتذهب غزة السنية إلى الجحيم).. هذا منطق البعض.. (هم مختلفون فيما بينهم هذا جزاؤهم).. فماذا عن الكويت قبل الغزو الصدامي؟ في كل يوم يؤكل لنا ثور.. ولا نتعلم الدرس.. وبعضهم يقول: (فلتسقط غزة.. لايهم).
ـ ولكن أقول: لن تسقط غزة.. لأن السقوطَ خضوعٌ وذل واستسلام.. انسلاخٌ عن الهوية.. وقبولٌ بالاحتلال.. وانسحاقٌ أمام أهوائه.. وتسليمٌ لعربداته.
لن تسقط غزة.. فروحُ المقاومة باقية.. تدبُّ في جسد شعبها.. وتُنجبُ ليوثاً لا تستكين لِـعَرين.. ولا تركنُ لمُداهن..ولا تعرِفُ للهوانِ سبيل.
لن تسقط غزة.. وإن احتلَّها العدوان.. وإن جالت دباباته في شوارعها الضيقة تطحن عظام الأطفال.. وإن حامت على عرشها طائراته تصك الأسماع بأزيزها المقزز.. وإن خنقوا الهواء وحبسوا الماء وقطعوا الكهرباء.
لن تسقط غزة.. بل ستبقى عنواناً للشموخ والإباء.. وستلاحق لعناتُها كلَّ مَن خذلها.. وجلس على أريكته الوثيرة.. يُقشـِّر عن جسده.. آلام خسائره في صالات المراهنين على جسدها الممزَّق.. وسط صرخاتهم: "ستسقط في الجولة الثالثة".. "زد الرهان.. في الجولة الرابعة".. "لا بل في الخامسة".
لن تسقط غزة.. أبداً.. ففي صدور فتيانها زئير الأسود.. ومن عيونهم تتطاير براكين الغضب.. وعلى مناكبهم صواريخ الرعب.. وفوق إرادتهم تتكسر قيود الاحتلال.
لن تسقط غزة.. كما لم يسقط الحسين.. في يوم كربلاء.. وإن احتضن جسدَه التراب.. ودكدكوا أضلاعه بحوافر الخيل.. واحتملوا رأسه على أسنَّة الرماح.. وانتهكوا حُرَمَه في وضح النهار.
لم يسقط الحسين.. بل بقي شامخاً في العقول.. وفي القلوب.. ومع كلِّ خطوة يخطوها ثائر.. وكلِّ صرخةِ حقٍّ في وجهِ سلطانٍ جائر.. وكلِّ رصاصةٍ تمزِّقُ صدورَ المجرمين.. وتُرعبُ قلوبَ الظالمين.. وتُزلزلُ عرشَ فرعون..
وهامان.. والدهاقين.
لم يسقط الحسين.. بل سيبقى عزيزاً.. يثبِّت أقدام الثائرين على الظلم.. ويكتب عنوان الشهادة على جبين الأحرار.. ويرسم بدمِه أوسِمةَ العارِ على صدورِ اللاهثين وراء السراب.. وينفخُ في الصُّورِ ليحَطِّم كلَّ (هاشوفار).. و (ماجين).. و (مينوراه).
لم يسقط الحسين.. ولن تسقط غزة.. بل عاش الحسين.. أبيـّـاً خالداً.. وستعيش غزة.. عنواناً للصمودِ والعزة..
ـ أيها الأحبة إن الوقوف مع غزة المجاهدة ومع الشعب الفلسطيني الصامد يمثّل معلماً أٍاسياً من معالم التواصل مع كربلاء الإمام الحسين، وركناً من أركان حركتها، فضلاً عن كونه يمثل مسئولية سياسية وواجب شرعي وقانوني ووطني وإنساني.
ـ اللهم انصر الإسلام وأهله واخذل الكفر والنفاق وأهله وحصّن ثغور المسلمين بعزتك، وأيِّد حماتها بقوتك، وأسبِغ عطاياهم من جدتك، وردَّ عنهم كيدَ أعدائهم . اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم اجعل التقوى زادهم والايمان والحكمة في قلوبهم وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم ، وأن يوفوا قبعهدك الذي عاهدتهم عليه ، إله الحق وخالق الخلق، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون).