دراما الحسن والحسين - الشيخ علي حسن

عندما ذم القرآن الكريم الشعراء الخاضعين لسلطان الدنيا بقوله عزوجل: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) الشعراء:224-227، فإنه في ذات الوقت يكشف عن حجم تأثير الشعر على الإنسان العربي حينذاك، وعن أهمية التوظيف الصحيح له.
ولذا حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يكون للشعر دور في سلمه وحربه، وألقى بردته على كعب بن زهير الذي كان يهجوه، وذلك بعد أن جاء مسلماً وألقى قصيدته المعروفة بقصيدة البردة.
أهمية الإعلام اليوم ازدادت بعد أن بات جزءً من يومنا، سواء على المستوى التحليلي أو الخبري أو العمل الفني أو غير ذلك، بحيث يصعب على الفرد أن ينفك عن مصادره، وبات الإعلام اليوم يحرّك شعوباً ويسقط حكوماتٍ ويوجه اقتصاديات وأموالاً بالمليارات.
اعتراضات ودعاوى:
وقد أثيرت خلال الأسابيع الماضية موجة من الاعتراضات على مسلسل الحسن والحسين ومعاوية، بل هناك تهديد برفع دعاوى قضائية من قبل جهات وشخصيات عديدة. ومع التأكيد على أهمية صناعة السينما والمسرح وغيرهما من الوسائل الإعلامية، بل وضرورة ذلك، إلا أنه يمكن تلخيص الاعتراضات على مسلسل الحسن والحسين في أمرين رئيسيين:
1. تجسيد الشخصيات:
والسؤال المطروح: هل يحرم تجسيد الشخصيات المقدسة كالأنبياء؟ على مستوى علماء أهل السنة صدرت فتاوى عديدة، فالأزهر رفض إجازة العمل في بداية إنتاجه، وطالب بمنع عرضه استناداً لقرار مجمع البحوث الإسلامية الذي يحرّم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدرامية.. وأخذت دار الإفتاء بمصر ذات الموقف.
وفي المملكة العربية السعودية توجد فتوى هيئة كبار العلماء، وكذك فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بتحريم تجسيد هذه الشخصيات.
وعلى مستوى فقهاء الشيعة فيمكن القول أنهم لايملكون الدليل النصّي من القرآن والسنة بحيث يحرّمون الأمر بعنوانه الأولي، أي من باب أنه تجسيد، وبالتالي يعتبرون أن الأصل فيه مباح، ولكن يمكن أن يأتي التحريم من باب أن العرف السائد يعتبر التجسيد نوعاً من الإساءة لتلك الشخصية، أو أن الممثل ـ بشخصيته ـ قد يسئ إليها، لأن هذا الممثل معروف بفسقه مثلاً، أو أنه صاحب أدوار هزلية، أو أن أداءه هزيل بما يعكس صورة هزيلة عنها، أو أن في النص كذب وتحريف.. وما إلى ذلك.
وقد سئل المرجع الديني سماحة السيد علي السيستاني: (ما هو رأي الشرع في تمثيل شخصية الإمام المعصوم في الأفلام والمسلسلات؟ فأجاب: إذا لم يكن فيه إساءة إلي شخصيته المقدسة في النفوس ـ ولو بلحاظ شخصية المتقمِّص ـ فلا مانع).
كما وسئل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله عن ذلك فقال: (لا يحرم ـ من حيثُ المبدأ ـ أن نجسِّد صور الشَّخصيات المعظمة دينياً بالصُّورة أو بالتَّمثيل، لأنَّه لَم يرد هناك أيّ نصٍّ شرعي يُحرِّم ذلك، ولكن المسألة هي هل إنَّ إظهار شخصية النبيّ في هذا الفيلم أو المسرحية مسيء إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أم لا؟ فإذا كانت تُسيء إليه في العُرف العام من أي جانب، فلا تجوز، وإذا كانت لا تُسيء إليه، فيجوز ذلك).
ـ وهذا كان جوابه حول المسلسل حين سئل من قبل الجهة المنتجة، وهو لم يُجِز مضمون العمل كما فهم البعض من تصريح المنتج الذي قال: (السيد محمد فضل الله رحمه الله أعطانا فتوى خاصة للعمل بجواز ظهور الحسن والحسين في المسلسل).
2. المضمون:
لا أملك الحكم على مضمون هذا العمل الدرامي إذ لم أجد فرصة لمشاهدته ولم أقرأ نصَّه، ولكن تقييمي سيعتمد على ما صرّح به المنتج نفسه والذي قال: (تم وضع الروايات التي تخلو من الإساءة لأي طرف، وكذلك تخلو من الإساءة للصحابة. إنتاج المسلسل مبني على قاعدة حسن الظن بين الصحابة وإظهار مؤامرات اليهود التي أدت للخلافات فيما بينهم).
فلو أخذنا فقط هذه المفردة التي تركّز على دور عبدالله بن سبأ، فإنها ستؤكد بطلان ادعاء المنتج بعدم الإساءة للشيعة وآل النبي وأصحابه. فهذه الشخصية التي أثبت التحقيق أسطوريتها، وعلى الأقل هامشية دورها التاريخي، يمثِّل التركيز عليها أكبر إهانة للتشيع الذي نُتّهم عادة بأننا صنيعته، وقد قال رسول الله كما رواه عدة من أصحاب الحديث من أهل السنة، ومنهم الطبري في تفسيره، في تفسير سورة البينة عن ابن عباس أنه: (لما أنزل الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: هم أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، و يأتي عدوّك غِضاباً مقمحين). فالتشيع لعلي ليس صنيعة ابن سبأ.
كما أنه في ذات الوقت يمثل إهانة كبيرة لبعض الصحابة حيث يتم إظهارهم بصورة السذّج الذين يسمحون لشخصية مجهولة أن تتلاعب بهم وتوجههم وتستغفلهم إلى حد إحداث الفتنة وقتل الخليفة والدفع نحو الحروب التي تُسفك فيها دماء عشرات الآلاف من الأبرياء... علماً بأن أهم أسماء الصحابة الذين تذكرهم روايات ابن سبأ على أنهم من الذين انساقوا وراء مخططاته: أبوذر الغفاري وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي حذيفة وعبدالرحمن بن عديس، وكلهم ليسوا من مسلمة فتح مكة أو من أهل الوفود في العام التاسع أو العاشر الهجريين.
سيف بن عمر:
ولا أستبعد ضمن هذا الاتجاه أن يكون المسلسل معتمداً على روايات سيف بن عمر التميمي مختلق شخصية ابن سبأ.. وسيف هذا المتهم بالزندقة، وقيل عنه أنه كان يضع الحديث على لسان الأثبات، وأن عامة رواياته منكرة، وأن فَلساً خير منه. ولو قارنت رواياته بسائر الروايات حول ذات الحدث التاريخي، فإنك ستجد الصورة دائماً مقلوبة، فالجاني يتحول إلى مجني عليه، والمظلوم ظالماً.. ومن أراد فليراجع كتاب عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى للمرحوم العلامة السيد مرتضى العسكري.
إنتاج متوازن:
نعم، لا نتوقع من السني أن ينتج عملاً درامياً برؤية شيعية، كما لا نتوقع من الشيعي أن ينتج عملاً درامياً برؤية سنية، ولكن قارن بين هذا العمل وبين فيلم الرسالة مثلاً الذي حرص منتجوه على أن يحصل على موافقة أو مباركة المرجعيات الإسلامية على اختلافها، وأن يراعي الملاحظات التي قُدّمت إليه. صحيح أن ذلك العمل لم يخلُ من ملاحظات، إلا أنه مازال يحمل دلالات إيجابية في ذاكرة المشاهدين.
ولذا إذا أردنا أن نحسن الظن في أصل الغاية من إنتاج دراما الحسن والحسين، فنقول: ما هكذا تورد الإبل. فالتقريب بين المسلمين وإزالة أسباب الخلاف بينهم لا يكون عبر الطعن في معتقدات الآخر ومتبنّياته.