تأصيل الرفض النفسي من خلال الصوم - المرجع الراحل السيد فضل الله

إن الصوم في معناه يمثّل حالة سلبية تحمل بداخلها معنى ايجابياً لأنّ السلب عندما يكون مسؤولية فانّ ارادتك في حركة السلب تُمثّل حالة ايجابية أيضاً، فأنت تريدُ ألا تأكل وأن لا تشبع وأن لا تتلذّذ، ولذلك هو ليس سلبية طبيعية بعيدة عن انسانية ارادتك، بل هي حركة في الارادة ان ترفض ما لا يريده الله منك.ومن هنا فانّنا نستطيع ان نقول كما ان الصلاة تدفعك الى ان تؤصّل الرفض في نفسك للفحشاء والمنكر فانّ الصوم يدفعك الى ان تُحرّك ارادتك في رفض كلّ ما لا يريده الله سبحانه وتعالى.
وإذا انطلقتَ كانسان يرفض المطاعم والمشارب والملذّات في هذا الوقت المعيّن، فانّك تنطلق أيضاً لترفض سياسياً ما يحرّمه الله من حركة السياسة، ولترفض اجتماعياً ما يحرّمه الله من خلال حركة الاجتماع، ولترفض أمنياً وعسكرياً ما يحرّمه الله من حركة الأمن والعسكر في هذا المجال أو ذاك، لأنّ الفكرة واحدة، فكن انسان الله الذي يحبّ ما يُحبُّه الله، والذي يرفض ما يرفض الله تعالى.
عليك ان تعيَ معنى الرفض وهو ان عليك ان ترفض الظلم في كلّ الناس من حولك سواء الظلم الصغير أو الظلم الكبير، وأن عليك ان ترفض الانحراف في كل الخطوط التي يتحرّك فيها الناس وأن ترفض كلّ الضلال وكلّ الفسق والانحراف.ولهذا ركّز الله الصوم في كلمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:183.و«التقوى» كلمة تشمل كلّ الخطوط المستقيمة التي تنطلق من ايمانك واسلامك في الحياة، وهي (أن لا يفقدك الله حيث أمرك) في كلّ شؤون الحياة (ولا يجدك حيث نهاك) في كلّ مواقعها.
ان الصوم يُمثّل كلّ هذا الجو الذي يبدأُ من تجربةٍ تعيشها في حياتك بهذه المفردات الصغيرة، ولكنّه يمتدُّ لكلِّ ما يتّصل بحياتك الخاصة والعامة وربّما نحتاج الى ان نصوم ارادياً بحيث نضغط على أنفسنا عندما تحتاج الأمّة الى مشاريع وتحتاج الى مساعدات وربّما نحتاج ان نضغط على كمالياتنا لنساعد الأمة عندما تحتاج الى المياتم أو الى المستشفيات أو الى أيّ شيء يكفل لها الحياة الكريمة، انّني أتصوّر ان هذا الصوم الاسلامي هو الذي جعل المسلمين الأولين يتحرّكون في خطّ الدعوة وفي خطّ الجهاد وهم جياع وعطاشى وهم يُعانون الكثير من المشاكل المحيطة بهم.