الشيخ الطيِّب في شهر رمضان - الشيخ علي حسن – برمنجهام – المملكة المتحدة



يمكن القول ان من معايير الحكم بإسلامية أية طائفة تدّعي الانتماء الى الاسلام هي اشتراكها في أداء الشعائر الاسلامية العامة من قبيل مناسك الحج في الموسم، وصيام شهر رمضان، وأداء الصلوات اليومية في المساجد.

استنفار ايماني:
ومع دخول شهر رمضان المبارك، يعيش المسلمون حالة من الاستنفار الايماني لأداء فريضة الصيام، في وحدة جامعة تؤكّد انتماءهم جميعاً الى المدرسة الاسلامية التي ان اختلفت في تحديد بداية الشهر القمري بين أتباع مذاهبها المختلفة، فان هذا الاختلاف لا يعود الى الاختلاف في الانتماء المذهبي وحده، بل الى المعايير المعتمدة في تحديد بداية الشهر القمري، وهذا ما يجعل أبناء المذهب الواحد أيضاً قد يختلفون في تحديده من بلد الى آخر، بل لربما في البلد الواحد.

رمضان الوحدة:
ومما يهوّن الخطب أنهم ان اختلفوا في بدايته ونهايته، فانهم يشتركون في قرابة 27 يوماً يصومونها مع بعضهم البعض، فلِمَ نركّز على يومين يُختلف حولهما، وننسى سائر الأيام التي يُشترك فيها في الصيام؟ ولذا يفترض بهذا الشهر ان يكون عامل تقريب بين المسلمين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية، والتخفيف من حالة الشحن التي قد يعيشها البعض في بداية الشهر ونهايته تبعاً لتلك المسألة.

تصريحات الشيخ الطيب:
منذ مارس 2010 وهو التاريخ الذي تم فيه تعيين فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر، وهو لم يتوان عن التأكيد على ضرورة السعي لتحقيق الوحدة الاسلامية بين المذاهب الاسلامية، ونبذ كل ما من شأنه بث الفرقة والشقاق بينهم. وتبرز قيمة تصريحات امام الأزهر الشريف بصورة أكثر جلاءً من حيث اننا نعيش في فترة عصيبة تمر بها المجتمعات الاسلامية وتطغى عليها حالة من الشحن المذهبي العنيف، تُسخّر فيها أموالاً طائلة، وتوجَّه من خلالها قنوات فضائية ومواقع الكترونية لا تهدف الا للطعن في الآخر، وتغلب عليها لغة الاستهزاء والتحقير بدلاً من الحوار والبحث العلمي.. وحتى ما يُعرف بـ(الربيع العربي) تلبّس أو أُلبِس في بعض مواقعه اللباس المذهبي الصِّدامي.

قالوا في الطيب:
شيخ الأزهر الحالي نجل الشيخ الطيب شيخ الطريقة الخلوتية الصوفية، ويتميز امام الأزهر باتجاهاته الحداثوية مع الحفاظ على الأصالة الدينية الأزهرية، عمل أستاذاً في العقيدة الاسلامية، ويجيد التحدث باللغتين الفرنسية والانجليزية بطلاقة، وسبق ان ترجم عدداً من المراجع الفرنسية الى اللغة العربية، كما عمل فضيلته محاضراً جامعياً لبعض الوقت في فرنسا. ويقول علماء أزهريون عن فضيلته أنه بالفعل شيخ طيب، وهو رجل واسع العلم، لا يميل الى القضايا الخلافية، ولم يصدر حين كان مفتياً لمصر فتاوى أثارت الجدل، وتولى رئاسة جامعة الأزهر في العام 2003م بعدما كان مفتياً للديار، وكان عضواً في مجمع البحوث الاسلامية وهي أعلى هيئة علماء في الأزهر، كما يرأس حالياً لجنة حوار الأديان.

الشيعة وفلسطين:
تصريحات شيخ الأزهر تعكس حالة من الوعي والمسؤولية تجاه اثنتين من أهم القضايا التي تعصف بواقعنا العربي والاسلامي، الأولى قضية فلسطين والعدو الصهيوني، والثانية النزاع المذهبي الاسلامي، ويمكننا تلخيص رؤاه في المحاور التالية:
-1 التأكيد على البُعد الأصيل لقضية الوحدة الاسلامية وتحمّل مسؤوليتها: ومن تصريحاته: (هذا شيء مهم وضروري ونحتاجه وبدونه لا نستطيع ان نرفع رؤوسنا في يوم من الأيام). وقال: (الأزهر واجبُه الأول وحدة الأمة الاسلامية وكذلك تجميع المسلمين على رؤية واحدة مع اختلاف الاجتهاد، ومستعد لزيارة أي مكان أجمع فيه المسلمين مع بعضهم، والنجف بصفة خاصة).
-2 رفض الحالة التكفيرية: (نحن نصلي وراء الشيعة، فلا يوجد عند الشيعة قرآن آخر كما تطلق الشائعات). واعتبر أنه لا يوجد خلاف يخرج به الشيعة من دائرة الاسلام، بل استغلال السياسة لهذه الخلافات. وقال: (حينما تكون هناك فضائيات تحكم بكفر الشيعة، هذا شيء مرفوض وغير مقبول ولا نجد له مبرراً لا من كتاب ولا سنة).
-3 تحديد الأيدي العابثة المحركة للقضايا الخلافية: (اننا لم نعد عرباً بثقافة عربية، ولا مسلمين بثقافة اسلامية)، معتبراً ان بعض الأفكار التافهة تتخطفنا، مشيراً الى ان الغرب بحربته (اسرائيل) وراء كل ذلك. (هناك فتنة يُخطَّط لها ويراد لها ان تنبعث في بلاد أهل الاسلام في وقت نحتاج فيه الى وحدة الأمة الاسلامية لكل دولها).
-4 محورية القضية الفلسطينية: فقد اعتبر أنه بحكم مسؤوليته الشرعية لا يستطيع الا ان يُعبِّر عن ضمير الجماهير الاسلامية تجاه العدوان الصهيوني الغاشم والاحتلال الآثم وتدنيس المقدسات، وحصار غزة الصامدة. وأضاف: (من هنا فاني أكرر موقفي بأنني لن أصافح مسؤولاً صهيونياً ما دامت الحقوق الشرعية للفلسطينيين مسلوبة).
-5 رفض الضغوط العاملة على تغيير مواقفه لتتماشى مع بعض المصالح السياسية: فقد كشف أخيرا عن أنه تعرّض لضغط شديد من بعض أركان الحكومة المصرية ما قبل الثورة كي يشكك في عقيدة الشيعة من خلال بعض الفتاوى، ووصل الأمر أحياناً الى حد تهديده بالقتل أبان شغله منصب مفتي الديار المصرية.. الا أنه أصر على موقفه الرافض لكل ذلك.

مسؤولية المرجعيات الاسلامية:
ان الموقف الوحدويّ الشّجاع، والحريص على الأمَّة لمما يُثلج صدور كلّ السّاعين لجمع الشّمل وقطع الطّريق على الأيادي الّتي تسعى دائماً الى تعميق الهوّة بين المسلمين. ان المسؤولية الكبرى تفرض على كلّ المرجعيَّات الاسلاميَّة، سنيّة وشيعيّة، الى ان تضمَّ صوتها الى هذا الصَّوت الاسلاميّ الوحدويّ، ليكون الموقف واحداً على مستوى الأمَّة كلِّها، وليمثِّل ذلك رسالةً الى كلّ الأعداء، والى كلّ قوى التكفير والتفرقة، بأنّ قرار الأمّة في تماسكها والحفاظ على وحدتها، هو قرار واحد وموقف واحد، مهما عصفت العواصف وتعقّدت الظّروف.. انَّ المسلمين يبقون أمّةً واحدةً، كما أراد لهم الله، أمّةً تحمل في داخلها كلّ هذا التنوّع، أمّةً تقوى بتنوّعها، ولا يمكن النيل منها اذا عرفت كيف تتوحّد وتجعل من اختلافاتها مادة للقوة.