قراءة في تجربة (رسالة الاسلام) 3 - د. حسن سلهب

بين مصر وايران‏:
لا نعرف الكثير عن العلاقات الثقافية والفكرية التي كانت تربط ايران بمصر قبل فترة جماعة التقريب، ومجلة «رسالة الاسلام»، كما لا نعرف بالتحديد الظروف الخاصة التي كانت وراء وجود العلاَّمة محمد تقي الدين القمِّي في مصر، مندوباً من قبل آية الله حسين البروجردي في تلك الفترة، واذا كان لنا ان نكتفي بفكرة التقريب، وهي وجيهة وكافية في نفسها، فانَّنا أمام لحظة تاريخية مهمّة في مجال التعاون الثقافي والفكري بين البلدين.
ويبدو من المعطيات المتوافرة ان مصدر الفكرة كان في ايران، وأن أعلام السُنَّة في مصر، ولاسيما الشيخ عبدالمجيد سليم والشيخ محمود شلتوت، قد تفاعلوا معها بشكل لافت ومُثير، واذا كان القرار اعتماد مصر مركزاً رئيساً لجماعة التقريب، فقد عبَّر ذلك، ليس عن الأبعاد الجغرافية والتاريخية لبلاد النيل فحسب، بل عن مستوى تفاعل أعلام السُنَّة في مصر، بالاضافة الى توافر الظروف السياسية الخاصة بهذا البلد.
يبدو من تتبُّع المقالات المنشورة في المجلة ان الأقلام الايرانية كانت محدودة، مقارنةً بالأقلام المصرية واللبنانية والعراقية، واذا كانت فكرة الترجمة للفارسية مُستبعدة، فانَّ ذلك يفسِّر بعض هذا التفاوت، لكن ذلك لم يؤثر في نسبة المشاركة الشيعية في المقالات، كما لم يمنع من وصول المجلة الى العديد من الشخصيات العلمية في ايران، كما نلاحظ من خلال المراجعات والتعليقات.
لقد بقي محمد تقي الدين القمِّي في مصر لفترات طويلة، كما سيبقى المحرِّك الرئيس لنشاط الجماعة، وأعمال المجلة بالتحديد، وبصفته أمين السر للجماعة، سوف يُنجز الكثير من برامج الدعم والنشر، كما ان مقالاته في المجلة اتَّسمت بالكثير من الحيوية والتأثير، ويبدو ان شخصيته الادارية تقدَّمت على شخصيته العلمية في هذا المجال.
واذا كنَّا لا نعرف حجم العلاقات الرسمية القائمة بين البلدين في تلك الفترة ودورها في رفد نشاطات جماعة التقريب، لكن بالامكان القول انَّها كانت مشجِّعة للخوض في هذا النوع من التعاون والتقارب، ولدينا اشارة مفيدة عن تأييد رئيس الوزراء الايراني الدكتور محمد مصدق لمشروع التقريب عندما زار مصرَ، سنة 1371هـ/ 1951م، والتقى مؤسسي جماعة التقريب هناك، حيث أثنى على جهود الشيخ القمِّي وبارك نشاطات الجماعة.
انَّ التأمُّل في انجازات جماعة التقريب العامة، والابداعات الفكرية في مجلة «رسالة الاسلام» يُفضي الى تصوُّر عام حول مدى امكانية التعاون والتفاهم بين تجربتين فكريتين عريقتين في ايران ومصر. واذا كان التاريخ ما قبل التعاون، وما بعده، قد حَرم الفكر الاسلامي من هذا التفاعل الثَّري، فانَّ عقدي الخمسينات والستينات، وما تحقَّق فيهما من انجازات ثقافية وفكرية، يَدلاّن على الفرص المتاحة بين هذين البلدين.