خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول السيدة زينب عليها السلام ج2


ألقيت في الأول من مايو 2009

ـ (إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) هذا هو الوصف الجامع لحال الإنسان عندما تحل به المصيبة، ولك أن تطلق لخيالك العنان لتضع التصور لحال الإنسان فيما لو تجمعت عليه المصائب في آن واحد.
ـ ثم ادرس موقف الحوراء زينب بعد الطف، ولعل اليوم ذكرى مولدها ونبارك لكم ذلك، وفق المعطيات التالية :
1. أكثر من 70 رجلاً وامرأة وطفلاً يقتلون أمام ناظريها في سويعات قلائل، وهم من خيرة الناس، بل فيهم خير الناس في زمانه وهو أخوها وسيد شباب أهل الجنة الحسين، وفيهم أبناؤها، وإخوانها وأبناء أخيها وأبناء عمومتها.
2. انتهاك لحرمة الأجساد المقطعة.
3. انتهاك لحرمة النساء والأطفال المذعورين بالسلب والضرب والإهانة والسبي.
4. نقل الأحياء بشكل مهين من بلد إلى آخر وتعريفعم بأنهم خوارج.
5. مصير مجهول في ظل وحشية وانعدام دين وقيم عند الطرف الغالب ميدانياً.
6. غربة في بلاد تبعد مئات الكيلومترات عن المدينة المنورة.
7. ضغط نفسي رهيب من خلال الإصرار على حمل رؤوس الشهداء أمام الموكب.
8. الدخول على صاحب السلطة في تجربة لم تمر من قبل على السيدة زينب، بل وتمثل النقيض لكل ما سلف من تجاربها في الحياة، فهي بنت نبي هذه الأمة وحاكمها، وعادة الناس احترام وتقدير الذرية، وهذا ما ينقل من صور التعامل حال حياة النبي، ثم هي ابنة خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، ثم هي أخت الحسن الخليفة من بعد علي، ثم هي أخت الحسين بما له من شرف ومقام لا سيما في المدينة المنورة.. كل هذه المعطيات تمثل حالة متناقضة مع دخولها على ابن زياد ومن ثم على يزيد.
ـ والآن قيّم الموقف وقيّم تصرف السيدة زينب.. لو كان المبتلى بهذا الموقف جبلاً لغدا متدكدكاً كالعهن المنفوش.. ولكنها زينب.. وما أدراك ما زينب.. عزة وكرامة وشموخ وسداد رأي وقوة حجة.. ولو كانت أية امرأة أخرى لانهارت.. ولكنها عزة محمد وشجاعة علي وصبر فاطمة هي التي تجلت في زينب وهو تقف شامخة ترعد بكلماتها في وجه الطغاة قائلة : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الاسارى ان بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده ؟ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمورَ متسقة ، وحين صفا لك ملكُنا وسلطانُنا؟ فمهلا مهلا ، أنسيت قول الله تعالى )وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) . أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرُك حرائرَك وإماءَك ، وسوقُك بناتِ رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهلُ المناهل والمعاقل ، ويتصفح وجوهَهن القريبُ والبعيد ، والدنيُّ والشريف ، ليس معهن من حُماتهن حِمىً ولا من رجالهن ولي ، وكيف يُرتجى مراقبةُ من لفَظ فوه أكبادَ الازكياء ، ونبتَ لحمُه من دماء الشهداء ؟ وكيف يُستبطأ في بغضنا أهلَ البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم : لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل … منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك؟ وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأْتَ القرحة ، واستأصلتَ الشأفة ، بإراقتك دماءَ ذريةِ محمد (ص) ونجومِ الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم. فلتردن وشيكا موردَهم ولتودَّنّ أنك شُللت وبَكُمتَ ولم تكن قلتَ ما قلت وفعلتَ ما فعلت .
اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حُماتنا . فو الله ما فريت الا جلدك ، ولا حززت الا لحمَك ، ولتردَن على رسول الله ( ص ) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولُحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلمُّ شعثهم ويأخذُ بحقهم ، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ، وحسبك بالله حاكما ، وبمحمد ( ص ) خصيما ، وبجبريل ظهيرا ، وسيعلم من سوَّل لك ومكَّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيَّكم شرٌّ مكانا واضعفُ جندا ، ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتَك ، إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، ولكن العيون عبرى ، والصدور حرّى .
ألا فالعجب كلَّ العجب لقتل حزبِ الله النجباء ، بحزبِ الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما ، لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد الا ما قدَّمَت يداك ، وما ربك بظلام للعبيد ، والى الله المشتكى وعليه المعول .
فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جَهدك ، فو الله لا تمحو ذكرَنا ، ولا تميت وحيَنا ، ولا يرحضُ عنك عارُها ، وهل رأيُك الا فنَد وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . والحمد لله رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجبَ لهم المزيدَ ويحسن علينا الخلافة ، انه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ـ السلام عليك يا مولاتنا يا زينب ، وعلى قلبك الصبور ، وعلى لسانك الشكور ، رزقنا الله في الدنيا حُسن اتباعك وزيارةَ مقامِك، وفي الآخرة شفاعتِك.