علائم الظهور: بشارات وإسقاطات - الشيخ علي حسن – برمنغهام – المملكة المتحدة

عرفت الإنسانية البشارات ببعض رجالاتها عبر التاريخ، ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن البشارة بنبينا الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: {وَاذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ انِّي رَسُولُ اللَّهِ الَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمهُ أَحْمَدُ} (الصف: 6)، ولذا كان بنو اسرائيل ينتظرون بعثته ويترقبون علائم ظهوره كما حكى ذلك القرآن: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} (البقرة: 89). وينتظر المسيحيون نزول السيد المسيح عليه السلام لتكون المعركة الفاصلة بين الحق والباطل المعروفة باسم (هرمجدون) كما جاءت في سفر الرؤيا.

بشارة وانتظار

والأمر ذاته ينطبق على المهدي الذي ينتظره المسلمون بهذا العنوان، وتنتظره الأمم بعناوين مختلفة، ليكون مخلصها في آخر الزمان من الظلم والجور الذي سيعصف بها، لربما الى حد لم تعرفه من قبل بدلالة التركيز على عبارة: (بعدما ملأت ظلماً وجوراً) كما جاء في النص المشهور عند المسلمين.
إلا أن المشكلة كمنت طوال التاريخ الإسلامي في الادعاءات الكاذبة لمدعي المهدوية منذ القرن الهجري الثاني الى هذا العهد، وهو ما أكدته النصوص الإسلامية أيضاً من قبيل: (ولترفعن اثنا عشر راية مشتبهة لا يعرف أي من أي)، لتبرز معها مشكلة التطبيقات الخاطئة لعلائم الظهور التي حفلت بها الكثير من محفوظات وكتب المسلمين في تراثهم الذي تناقلوه عبر القرون، ومن ذلك الشخصيات المعروفة بأنها من الممهدين للمهدي أو من قادته الذين سينصرونه ويكونون على رأس حركته العالمية في المواقع المختلفة. ولابد من التنبيه في هذا الإطار الى عدة ملاحظات:

روايات ضعيفة

1 - إن التحقيق في روايات علائم الظهور والشخصيات المذكورة فيها يؤكد ان كثيراً من هذه النصوص لا ترتقي الى مستوى تصمد معه عند النقد في السند والمتن، فأكثرها روايات ضعيفة سنداً، لجهالة حال بعض رواتها، أو ارسالها نقص في سلسلة السند أو لغير ذلك.. هذا فضلاً عن الخلل في المتن من حيث التعارض في توصيفاتها لنفس العلامة من حديث لآخر، أو لوجود قرائن على أنها نصوص موضوعة أو محرفة لغرض سياسي أو توظيفي معين. وقد أكد هذه الحقيقة عدة من المحققين والباحثين في هذا المجال.

أحداث انقضت

كما أن من النصوص ما يتحدث عن وقائع أو شخصيات عرفها التاريخ وانتهى دورها، بينما مازال البعض يتوقع أنها من القضايا التي تُستشرَف ضمن علائم الظهور أو شخصياته في قادم الزمان. كما هو شأن روايات الخراب الذي يلحق ببعض المدن، أو بعض الحروب وما شاكل.

روايات مطلقة

3 - ويضاف الى ذلك بعض من النصوص التي لا علاقة لها بعلائم الظهور في مضمونها، بل هي تتحدث عن وقائع تاريخية مطلقة لا علاقة لها بالزمن القريب من عصر الظهور، كما لم يصرح بأنها من مطلق العلامات، إلا أن القراءة الخاطئة لها، أو الرغبة في توظيفها في هذا الاتجاه دفع بالبعض الى اعتبارها منها، ومن ذلك بعض الروايات التي تتحدث عن وقائع خاصة بالخلفاء العباسيين، دون ذكر لكونها من العلائم، بل ذكرت كأحداث تستشرف المستقبل، مع العلم بأن دولتهم انتهت قبل أكثر من ثمانية قرون.

أحداث محتملة

4 - وصرحت بعض الروايات بأن من العلائم ما هو محتمل ومتوقف على شروط معينة، وأنها تأتي في ضمن طبيعة التقديرات الإلهية التي تشاء ان تغير في الأحداث وفق موازين القضاء والقدر: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد: 38 – 39). ومن هذه النصوص ما روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام: (ان من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وان السفياني من المحتوم الذي لابد منه).
ولكن هذه النقطة في حد ذاتها تحتاج الى وقفة نقدية اذ ما فائدة ذكر علائم للظهور ينتظر المؤمنون تحققها ثم يظهر أنها لن تتحقق أبداً لسبب أو لآخر؟! بل لربما يتحول هذا الأمر ذاته الى عامل تشكيكي في مصداقية المهدي عند الناس أو في التعامل مع تلك العلامات.. وقد اعتبر البعض ان الفائدة تتحقق بعد وقوع الحدث: (فيأتي حينئذ دور المقارنة بين ما هو مذكور في الرواية، وبين ما وقع فعلاً ويكون الإيمان به، أو عدمه على هذا الأساس).. والله أعلم بواقع الحال.

قراءات انتقائية

5 - وقد شهدت منطقة البحث في هذا المجال قراءة انتقائية للنصوص إما تحت تأثير البعد العاطفي في المسألة، لاسيما في الظروف العصيبة التي قد تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية فتبحث من خلال تلك النصوص عن بارقة أمل في هذه الحاثة أو تلك، أو في هذه الشخصية أو تلك.. أو توظيفاً للنصوص لمصالح سياسية أو دينية أو ما شابه ذلك مما لا يخفى على القارئ.. ولعل آخر تلك المحاولات ما ارتبط بأحداث الثورات العربية (الربيع العربي) خلال الأشهر الماضية حيث اعتبرت أنها المصداق التطبيقي لما جاء في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام حول علائم الظهور: (اذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم وطمع فيهم من لم يكن يطمع، وخلعت العرب أعنتها ورفع كل ذي صيصية صيصيته... الخ).

سلبيات عديدة

ومن سلبيات الأسلوب الإسقاطي الظني الذي يعتمده كثيرون في قراءة نصوص علائم الظهور وشخصياته وتأويلاتها:
1 - إدخال القضية المهدوية في اطار مذهبي وسجال طائفي، لتخرج بذلك من فضائها الإسلامي الرحب.
2 - التسبب في السخرية من هذه العقيدة ومعتنقيها بمرور الوقت وانكشاف عدم صدقية التطبيقات المذكورة.
3 - المساهمة في خلق مناخ من الإحباط واليأس والتشكيك في أصل العقيدة لدى المؤمنين بها عندما يصطدمون بخطأ هذه التطبيقات مرات وكرّات.
4 - الوقوع في محظور ما هو منهي عنه في نفس تلك النصوص المتعلقة بالمهدي وظهوره من قبيل ما عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلّمون).


الرايات المشرقية

ومن نماذج التطبيقات والإسقاطات الظنية التأويلية ما يرتبط برايات أهل المشرق كما في سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (... وان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعونها الى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملؤوها جوراً). حيث وظّف العباسيون هذه الروايات لمصلحتهم معتبرين ان راياتهم هي الرايات المنشودة، حتى قال أبوالعباس السفاح، وهو أول خلفاء بني العباس: (يا أهل الكوفة انا والله مازلنا مظلومين مقهورين عن حقنا حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان فأحيا بهم حقنا... فاعلموا ان هذا الأمر فينا وليس بخارج منا حتى نسلمه الى عيسى بن مريم).
ويتكرر ذلك في عصر لاحق حين اعتبرت الدولة الصفوية وسلطانها الشاه اسماعيل الصفوي الذي ينتهي نسبه الى البيت النبوي أنها هي المقصودة بهذه الرايات وأصحابها، وفي ذلك قال السيد نعمة الله الجزائري: (لا يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية، وهو الشاه اسماعيل أعلى الله مقامه في دار المقامة. وقوله عليه السلام، لا يدفعونها إلا الى صاحبكم، المراد به القائم عليه السلام. فيكون في هذا الحديث اشارة الى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السلام، فهم الذين يسلمون الملك له عند نزوله بلا نزاع وجدال). ويستمر الأمر ذاته في هذا العصر من خلال المحاولات الظنية التي يقوم بها البعض في الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، أو لأسباب أخرى.
الدقة والتأنّي

وينطبق ذلك أيضاً على شخصيات ورد ذكرها في الأخبار كالسفياني والخراساني واليماني والحسني وشعيب بن صالح، حيث امتلأت المنتديات الإسلامية عموماً في شبكة الانترنت بمحاولات التطبيق والتأويل بما لا يخفى على المتتبعين لها في الوقت الذي قد لا ترتقي فيه بعض هذه النصوص المشتملة على ذكرهم الى مستوى يُطمأن معه الى صدورها عن النبي أو أحد من أهل بيته عليهم السلام. إن التعامل مع نصوص علائم الظهور وشخصياتها يحتاج الى مزيد من الدقة والتحقيق وتجنب الاستعجال في التطبيقات التي لا تعتمد على الدليل، بل تنساق وراء العواطف والتحليلات غير العلمية، مما قد يترتب على ذلك الكثير من السلبيات، وعلى رأسها ما يؤدي الى الوقوع في المحظور بتكذيب أصل القضية المهدوية عند من يتبعون الظنون ثم ينتهون في آخر مطافهم الى تكذيب الحقائق بعينها.. {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاَّ ظَنًّا ان الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شيئاً} (يونس: 36).