خطبة الجمعة ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى بعنوان إشاعة الفاحشة

ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور:19.
ـ للمجتمع البشري الذي يعيش فيه الفرد حرمة يجب أن لا تقل عن حرمته الشخصية، وطهارة كل منهما تساعد في طهارة الآخر، وقبح كل منهما يسري إلى صاحبه.
ـ لذا كما حرّم الله المعصية التي تدمّر الإنسان على المستوى الشخصي، حرّم ما من شأنه أن يؤدي إلى تدمير المجتمع البشري أو يدفعه نحو الانحطاط، ولذا فإن الإسلام:
1. أوجب ستر الذنوب التي ارتكبها الآخرون، فعن الإمام الصادق (ع): (مَن قال على مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل عنهم: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}).
2. أوجب ستر الإنسان على نفسه إذا ارتكب معصية، فعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال: (المذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بالسيئة مغفور له).
3. أدان بشدة ارتكاب الذنوب في العلن، لتأثيرها على الآخرين، إذ من شأنها أن تحطم السد النفسي الحاجز للفساد، ويستصغر شأن الذنوب.
ـ ومن هنا ندرك ما وراء الخطاب العنيف في الآية لمن يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع المؤمن، هذه الإشاعة التي يمكن أن تتحقق من خلال:
1. نقل الحقائق مما لا ينبغي نقله إلى من لا يعنيهم الأمر.
2. افتعال تهمة كاذبة ونشرها بين الناس.
3. إنشاء مراكز للفساد ونشر الفحشاء عبر وسائل الإعلام والاتصال.
4. تجميل صورة الفاحشة أو التهوين من أمرها بغرض كسر الحاجز النفسي، ولو عن طريق تغيير مسميات الفواحش للتهوين من أمرها في النفوس، كما يطلق البعض عنوان العلاقة الحميمية أو العاطفية بدلاً من الزنا، وألعاب الحظ بدلاً من القمار، والترف بدلاً من الشذوذ، وهكذا.
ـ وهذا يفرض أهمية تسمية الأشياء القبيحة بمسمياتها القبيحة، كي لا تتميع الفاحشة وتتحول إلى أمر مقبول اجتماعياً، أو مبرَّر له. وقد روي عن النبي (ص): (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها).
ـ لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ولو ألقى كل واحد منا بذرة خير في هذا المجتمع، لكثرت محاسنه وقلّت مساوؤه، ولكننا آثرنا الاسترخاء، واستسلمنا للواقع بتبريرات كثيرة حتى كنا مصداق قوله النبي (ص): (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، وأنهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات. فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرِّبا أجلاً، ولن يقطعا رزقاً).