يقول رسول الله(ص): "إذا ظهرت البدع في أمتي، فليُظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله". كيف نفهم قول رسول الله(ص) في مواجهة البدع؟

عندما تنتشر البدع بين الناس، سواء كانت بدَعاً في العقيدة تدعو الناس إلى الإيمان بغير العقيدة الحقّة، أو بدعاً في الأخلاق تحرّض الناس ضد أخلاق الرسالة، أو بدعاً في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي تدعو إلى الانحراف عن خط الله، فعلى العلماء والمثقفين والواعين أن يواجهوا هذه البدع كلّ بحسب إمكاناته وقدراته. ومن هنا، فإنّه(ص) يعتبر أنّ مواجهة البدع قضية حيوية ملحّة، بحيث إنّ الذي يبتعد عن ساحة الصراع بين السنّة والبدعة، أو بين الكفر والإيمان، فإنّه يحصل على لعنة الله. وإنّ الله عندما كلّف المؤمنين بالإيمان، كلّفهم بالدعوة إلى الإيمان {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْر ويَأمُرون بالمعْروف ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَر وأولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون} [آل عمران:104]، وقد حدّثنا الله في القرآن عن الذين يُبلّغون رسالات الله، ويخشون الله وحده إذا خوّفهم الناس بالناس بأنّهم سوف يضطهدونهم، فلا يضعفون، ولا يخافون {وَلاَ يَخْشَوْن أحَداً إلاّ اللهَ وكَفَى باللهِ حَسيِباً} [الاحزاب:39]، فمسألة الدعوة إلى الله في إلقاء الحجة على النّاس تظهر في خطّين: العقل، وهو الحجّة الأولى، لأنّ العقل هو الرسول الباطني، والأنبياء وأولياء الرسل ومَن جاء بعدهم، فهم الحجة الثانية على العباد.

إذاً، فإنّ مسألة التبليغ هي مسؤولية كل مؤمن ومؤمنة، ولو فرضنا أنّه كان يُقال فيما سبق إنّ الدعوة إلى الله وتبليغ أحكامه والدفاع عن شرعه هو واجب كفائي، فإني أقول، وأتحمّل مسؤولية ما أقول، إنّ الدعوة في هذه الأيام واجب عينيّ على كل مؤمن ومؤمنة، لأن الكفر برز إلى الإيمان بكلّ أسلحته، وبكلّ وسائل التضليل والتشكيك والتمييع والضغط.

فهذه هجمة الكفر أخذت تحقّق أغراضها وأهدافها، والمسلمون يتركون مسؤولياتهم في المواجهة من دون أيّ تصدّ، وكثيرٌ ممن هم في مواقع المسؤولية الدينية لا يشعرون بأيّة حاجة إلى التبليغ والتوجيه، مع أنّ المرحلة تقتضي وجود حال من الاستنفار الكبير في وجه الكفر والضلال، تماماً كما هي حال الاستنفار في مواجهة الوباء، حيث لا يجوز للأطباء أن يجلسوا في بيوتهم، بل أن يخرجوا معلنين حال الطوارىء ليتمكنّوا من حصر الوباء وإزالته.