آثار الحمد لله على واقع الإنسان

للمعرفة بالله دورها الكبير في وعي الإنسان للايمان بربّه، في خوف مقامه، والتزامه بطاعته، وانفتاحه على محبّته، وفهمه للسر في عبوديته له، وتصوّره لجلاله وكماله في كل صفاته العليا واسمائه الحسنى، وفي كل محامده وأفعاله، وقد عرّفنا ذلك كله من خلال الوسائل التي أولاها لنا ووضعها في متناولنا، في حواسنا وعقولنا، ورسالته التي أرسل بها أنبياءه، بحيث انفتحت لنا من ذلك كله أبواب المعرفة في أوسع مداها، وأرحب مواقعها، فعرفنا من خلال ذلك كيف نتصوّره ونتطلّع اليه ونعبده ونطيعه ونخشع أمامه ونلتزم أحكامه، ما يجلب لنا السعادة في الدنيا والآخرة، فله الحمد على ذلك كله.
وللشكر معنى في العقل والقلب وحركة الإنسان في الحياة، ينطلق من وعي النّعم في الوجود وفاعليتها في استمراره، الأمر الذي ألهمنا الله وحيه، وعرَّفنا سرّه، فشكرناه على نعمه شكر الواعين المنفتحين عليه، فله الحمد على ذلك، وعلى ما عرّفنا من ربوبيته التي توحي الينا بالألوهية التي ترعى المربوبين بالتربية، التي تتدرج بهم في البلوغ الى درجات الكمال شيئاً فشيئاً، حتى تنتهي بهم الى الدرجة العليا التي يحصلون بها على السعادة في حياتهم، ويتوجهون من خلالها الى السعادة في آخرتهم، فأصبحنا نعرف ان لنا رباً يرعانا برعايته، ويدبر أمورنا بتدبيره، ويشرف على وجودنا كله بنعمته ولطفه ورحمته، ويقودنا الى واقع عدله وعفوه في يوم اللقاء الأكبر به.وله الحمد على ما هدانا اليه ودلّنا عليه من الاخلاص في توحيده الذي عاشت أعماقنا في ينابيع قدسه، وفي جوهر حقيقته، فعرفنا - في العمق من وعينا الفكري - أنه هو الاله الواحد الذي لا شريك له في أمره، ولا مضادّ له في ملكه، فهو الخالق والرازق والمنعم والمدبّر والمهيمن على الأمر كله، فوحّدناه بعقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وحياتنا كلها توحيد الاخلاص، لأننا لم نجد هناك غيره، فكيف نبتعد عن الاخلاص له، لنرتبط بالعدم في ظلماته التي لا أفق لها ولا قرار، وكيف نلحد في أمره ونبتعد عن الايمان به، أو نشك في ربوبيته، وهو النور الذي لا ظلمة معه، والحق الذي لا باطل عنده، وهو الوضوح كله، والصفاء كله.
انّنا نحمده على ذلك كله، ونتقرّب اليه بهذا الحمد، لأنه يمثّل كل الايمان به، والمحبة له، والتطلّع الى رحمته والقرب منه، لنحصل من هذا الحمد على الامتداد في العمر مع الحامدين له من خلقه، والسبق الى الوصول الى رضاه وعفوه، وعلى الاضاءة الروحية من نوره الذي يفيض على الوجود، فيضيء لنا ظلمات البرزخ التي قد تتراكم في داخلها أشباح الموت، وييسِّر لنا الطريق الى البعث في رحلتنا النهائية من الأحداث الى يوم المحشر، فتكون الطريق اليه مفتوحةً على رحمة الله ورضوانه، فلا نحسّ فيها جهداً ولا رهقاً، ويبلغ بنا درجة الشرف والعلوّ والرفعة في مواقعنا عند مواقف الأشهاد الذين يشهدون للناس وعليهم بما قاموا به من أعمال الخير والشر، لننال بذلك النصر من الله سبحانه، على ما جاءت به الآية الكريمة: {انَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر:51، حيث نقف بين يدي الله عُراةً الا من العمل الصالح، والأمل الكبير برحمة الله ورضوانه، فلا يملك أحد ان ينقذنا من عذاب الله اذا أراد ان يعذِّبنا {يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً ولا هم ينصرون} الدخان:41.