خطبة الجمعة ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى بعنوان وصايا الإمام الكاظم


ـ في الخامس والعشرين من شهر رجب تمر علينا ذكرى استشهاد سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام الأدلاء على الله والهداة إليه الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام.
ـ وفي سيرته المباركة الكثير من الوصايا والعظات التي حرص أن يقدّمها لأبنائه وللناس من حوله، حتى في الظروف الصعبة التي عاشها أثناء حبسه في سجون بني العباس. وهذه هي سنة الأنبياء وأبناء الأنبياء كما حدثنا القرآن الكريم إذ قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَأَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة:132-133.
ـ ومما روي من وصايا الإمام الكاظم عليه السلام لوُلْدِه: (يا بَنيَّ، إني أوصيكم بوصيّة مَن حَفظها لم يضِع معها؛ إن أتاكم آتٍ فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل إلى الأذن اليسرى فاعتَذَر وقال: لم أقل شيئاً، فاقبلوا عذره). بمثل هذه الروحية العظيمة، وبمثل هذه الأخلاق القرآنية يبني الإمام شخصية أبنائه ليكونوا الكاظمين للغيظ كما كان، والعافين عن الناس كما عُرف عنه، حتى بات لقباً له.
ـ لا أقول هذا لكي نتغنى فقط بأمجاد النبي والآل عليهم السلام، بل هو مفردة في منهجهم الإيماني والعبادي والأخلاقي الذي رسموه لنا لنسير وفقه في هذه الحياة، وبمقدار ما نلتزم بذلك سنقترب منهم، وبمقدار ما ننحرف عن ذلك سنبتعد عنهم، وإن رفعنا كل شعارات الولاء.
ـ ولذا أقول: إن أبناءنا بحاجة إلى مثل هذه الوصايا، لا يكفي أن نطعمهم كلما طلبوا الطعام، ولا يكفي أن نكسوهم وأن نؤمّن لهم المسكن الملائم، والترفيه في السفر واللعب والتسوّق وما إلى ذلك.. فهم بحاجة إلى التغذية الروحية، كما هم بحاجة إلى التغذية العقلية، ليزدادوا قرباً من الله، وليزدادوا معرفةً بدينهم، والهدف من وجودهم في الحياة، وليكون سلوكهم سلوكاً إنسانياً راقياً، وليطوّروا من قدراتهم بدلاً من تحطيمها في الألعاب والأجواء التي تعزلهم وتزرع فيهم العقد، ليعرفوا أن الوقت يعني حياتهم، وكما قال الكاظم عليه السلام: (اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الأخوان الثّقاة الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات).
ـ أوصوهم أن يقيّموا أنفسهم وسلوكهم، أوصوهم أن يحاسبوا أنفسهم كما قال الكاظم عليه السلام: (ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه).
ـ أوصوهم أن يتجردوا بنسبةٍ ما عن أنانياتهم وكبريائهم، وأن يتواضعوا للناس، وقد روي أنّ الإمام الكاظم عليه السلام (مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلّم عليه، ونزل عنده وحادثه طويلاً، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت، فقيل له: يا بن رسول الله، أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟! فقال عليه السلام: عبدٌ من عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام، ولعلّ الدهر يردّ مِن حاجته إلينا، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه).
ـ هذه هي مدرسة الإسلام، مدرسة النبي والقرآن والآل، فمن تمسّك بها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
ـ فالسَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ الهُدى، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَلَمَ الدِّينِ وَالتُّقى، السَّلامُ عَلَيكَ يا خازنَ عِلْمِ النَبيينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَعدِنَ الوَحي المُبينِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ فِي ظُلُماتِ الأرْضِ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الصّالحُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الزّاهِدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ السَيِّدُ الرَّشيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها المقتولُ الشَّهيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ وَابنَ وَصيِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا موسى بن جَعفرٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.