خطبة الجمعة ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى بعنوان السلام والرحمة


ـ قال تعالى في كتابه الكريم: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام:54.
ـ قرنت الآية الكريمة بين السلام وبين الرحمة، وكلاهما من صفات الله تعالى، وكلاهما من الصفات التي حث الله سبحانه عباده على الأخذ بها في العلاقات الاجتماعية.
ـ وكأنها تقول: أعلِن يا رسول الله شعار السلام للمؤمنين، بكل ما يحمله هذا العنوان من حنان واحتضان روحي وأمن وأمان على الكرامة وأمان على النفس.
ـ وحدّثهم يا رسول الله أن إطلاق هذا الشعار والتمسك به نابع من رحمة الله، فقد (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) في كل شئ، في الخلق وفي الربوبية وفي الرزق وفي الهداية وفي قبول الأعمال، فإنما ترتفع الصلاة برحمة الله، وإنما يستجيب الدعاء برحمته، ويتقبل الأعمال برحمته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما إنّه لا ينجي إلا عملٌ مع رحمة).
ـ وقد (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فهو كريم العفو عن المخطئ التائب، فهو يمحو السيئات، ويبدلها حسنات.. ـ لقد (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) بما يشعر معه الإنسان بأنّه لا يستقلّ بعملٍ من دون رحمة الله تعالى.
ـ ولذا فإن العنوان الأساس الذي ينبغي أن يتصوّر الإنسان به ربَّه هو عنوان الرّحمة، فهو الرّحمن الرّحيم الذي دفعنا أن نكرر ذكره بهاتين الصفتين دون سواهما، وبهما وليس فقط بأحدهما، حتى ونحن في موقع استمداد القوة، أو في موقع تناول الطعام، وفي سائر المواقع، فالتركيز كل التركيز على هاتين الصفتين دون سواهما.
ـ والعنوان الأساس الّذي يُدار به الكون هو الرحمة، فإذا أرت أن تكون متناغماً مع هذا الوجود، فعليك أن تتخللق بالرحمة. أن تشعر قلبك الرحمة بالناس.. بالأقربين منهم كالزوجة والأبناء والخدم.. وبالأبعدين منهم.. لكي تعيشوا معنى السلام الحقيقي في المجتمع. وهو ما أكّده رسول الله، لمّا قال له رجل: (أحبّ أن يرحمني ربّي)، فقال له النبيّ: (ارحم نفسك وارحم خلق الله يرحمْك الله).
ـ وقد أراد الله سبحانه لهذا الشهر الحرام أن يكون إحدى محطات السلام، ليؤكِّد أنَّ الأصل في ما يريده الله في طبيعة العلاقات الإنسانية هو السّلم وليس الحرب، وهو التّعايش والتّآلف وليس التّنافر والتّناحر، وهو الرّفق واللّين وليس العنف والشدّة. وأملاً في أن تتوقّف فيها النزاعات وتذوب الأحقاد وتبرد الانفعالات، ليتخفّف الناس من ألوان الغضب والانتقام وأن يهدأوا، لعلّ ذلك يفسح المجال للتعقل أو لتدخل أهل الخير والإصلاح.
ـ فلنسحب أجواء هذا الشّهر كما أرادها الله سبحانه على حياتنا الفرديَّة: في ساحات العمل، وفي ساحات الصّداقة والزّمالة والجيرة، وحتى في ساحة الخلافات الزّوجيّة والأسريّة، داخل كلّ عائلة، وفي كلّ بيت. وأسباب الخلاف كثيرة، فقد تكون صغيرةً لا قيمة لها وتافهة أحياناً، والّتي على الرَّغم من تفاهتها، يمكن أن تسبّب مشاكل كبيرة.. إننا جميعاً نحتاج إلى فرملة للمشاكل المتفاقمة والمتصاعدة، وإذا وعينا مضمون حرمة شهر رجب فإن ذلك سيؤمّن لنا إمكانيّة العودة إلى منطق الوعي والعقل والحكمة.