حكم ـ الجزع

زراعة الأحقاد
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (من زرع الإحَن حَصَد المِحَن).
قد يعاني الإنسان أحياناً من حالة الحيرة التي تمزق القلب، فيحار بين حقد قد تنفذ بعض المحبة إليه، ومحبة تستهلك كل الحقد.. بل قد يتطرف في الحقد حتى يجعله مقدساً! وكيف يكون الحقد مقدساً وهو يلغي إنسانية الإنسان ومعناه؟ إن إنسانية الإنسان في الحب، حب الله الذي يقول لك أحب الإنسان، والذي يقول لك إذا كنت تحب ذاتك ـ ومن حقك أن تحب ذاتك ـ فإن حبك لذاتك يعني أن تحب الإنسان من حولك، وأن تكون إنسانيتك في إنسانية الآخر، لأن الذي يحبس ذاته في ذاته يقتل ذاته.. ولربما يقتل الآخرين معه!

الحسد القاتل
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله).
للحسد عدة دلالات، منها صغر في العقل وضعف في الإيمان، لأنَّ الإنسان الذي يتمنّى زوال نعمة غيره ليحصل هو عليها، عليه أن يعرف أنَّ الله يعطيه ويعطي غيره، كما خلقه وخلق غيره، وأن الله أعطاه من الامتيازات ما حرم منه الآخر.. فما مبرر الحسد حينئذ؟ لاسيما إذا كان الإنسان مقصّراً في توظيف تلك الامتيازات لصالحه! لأن من دلالات الحسد ضعف الهمّة، فالمحسود عمل واجتهد واستطاع أن يصل، أما الحاسد، فهو الخامل الذي عطّل قدراته، وذهب إلى حيث الحسد يأكل قلبه وراحته وروحه.. وهذه مفارقة من مفارقات الحياة أن يتحوّل الحسد إلى أداةٍ لقتل صاحبه.

الجزع
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (إياك والجزع، فإنه يقطع الأمل، ويضعف العمل، ويورث الهم).
الجزع أن تستعظم البلاء ويُخيّل إليك أنه أمرٌ لا يُحتمل، فهو انعكاس للضعف الذي يعيشه الإنسان في واقعه وإن حاول أن يخدع نفسه أو يخدع الآخرين بأنه قوي.. ثم إن الجزع متى ما تجلى، عمل على تدمير مواطن القوة في الإنسان، حيث يعمل على قتل الأمل في تجاوز المحنة وتغيير الأوضاع إلى ما هو أكثر إيجابية، كما ويضعف الهمّة والرغبة في العمل حيث يستغرق في الألم وفي هموم الماضي.. أما الصبر فيمثّل حالة قوة، لأنه يساعد على الضغط على المشاعر والآلام.. ومن خلاله يصبح الإنسان سيد نفسه وسيد مشاعره وأحاسيسه وآلامه، فلا تسقطه مشاعره وأحاسيسه الحزينة وآلامه القاسية، بل تقوّيه.