الباقر إمام العلم والحوار

من أئمة أهل البيت النبوي عليهم السلام، الإمام محمد بن علي الملقب بالباقر، والذي تصادف ذكرى ولادته في أول شهر رجب.. وعُرفت مدرسته العلمية الثقافية بأنها قد شملت كل قضايا الإسلام العقيدية والشرعية والحركية والحياتية؛ فاستطاع أن يصنع للأمة جيلاً من القيادات العلمية والفكرية.
كان الباقر إمام الحوار الذي لا يضيق بحوار أيّ شخص مهما كانت انحرافاته العقيدية.. كان يعلّم أصحابه أن يسألوه، فإذا أعطاهم فكرةً إسلاميةً في أيّ جانب من جوانب الإسلام، فإنّه يطلب منهم أن يسألوه عن أساس هذه الفكرة من القرآن؛ من أين استفادها، وكيف عبّر القرآن عنها، لأنه كان يهدف إلى مسألتين:
الأولى: أن يعلّم أصحابه أن يسألوا عن كل ما يجهلونه، وعلى العلماء الذين يسألهم الناس عن أسس الإسلام، وعن الشريعة، وعن كل قضايا الحياة التي وجّه الله تعالى الناس إليها، أن لا يضيقوا ذرعاً بأيّ مسألة، فواجبهم الإجابة عن كل شيء.
الثانية: أنه أراد لأصحابه وللناس كافةً أن يقرأوا القرآن بتدبّر، وأن يتفهموه ليأخذوا برنامج حياتهم من آياته، وأراد للناس أن يستوعبوها، حتى يبقى القرآن على مدى الزمن هو القاعدة الثقافية التي ينبغي للناس أن يأخذوا بها.
وقد عمل الإمام الباقر عليه السلام على أن يركّز القاعدة الفكرية، وأن يخطط للخطط العملية التفصيلية في حركة القيم من خلال علاقات المجتمع بنفسه أو علاقاته ببعضه البعض. فنجد أحياناً خوفه على التشيع أن يدخل في دائرة الغلوّ انطلاقاً من أن الحب عندما يزداد فإنه قد يتجاوز الحدود، ولذلك أراد أن يركز القاعدة على أساس التوازن الذي أراده الإسلام. ولذا قال: (يا معشر الشيعة، كونوا النمرقة الوسطى) وهي الوسادة الصغيرة التي يجلس عليها الإنسان بارتياح فلا هي عالية ولا هي منخفضة (يرجع إليكم الغالي) ليجد الاعتدال عندكم (ويلحق بكم التالي). فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: (جعلت فداك من الغالي؟) قال: (قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم). قال سعد: (فما التالي؟) قال عليه السلام: (المرتاد، يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه). قال الراوي: ثم أقبل علينا فقال: (والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلاّ بالطاعة) فالطاعة هي التي يتقرب بها الأنبياء والأولياء إلى الله لأنهم يؤدون رسالته ولأنهك يتحركون في الحياة على أساس تجسيد الرسالة في أنفسهم وفي الناس. (فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا) فالولاية قاعدة لقبول العمل ولكنها ترتكز على خط الإسلام والإيمان والتقوى. (ومَن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا. ويْحَكم لا تغتروا، ويْحَكم لا تغتروا).