خطبة الجمعة 1رجب1432 ـ الخطبة الأولى بعنوان في رحاب شهر رجب


ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ). التوبة:36.
ـ نلتقي بشهر رجب الذي جعله الله تعالى من الأشهر الحرم، في ثنائية مع حرمة المكان المتمثلة في أرض مكة المكرمة، فإن الإنسان بطبعه وبلحاظ غريزة الغضب التي تتجلى في الكثير من مواقفه، أراد الله له أن يهذّب ذلك من خلال
المكان الحرام والزمن الحرام، ليعيش السلام ولو في مكان محدود وزمن محدود، فالصبغة الأصيلة للإنسان المسلم أن يكون المسالم الذي لا يعتدي على الآخرين، ويعفو ما أمكن عن المعتدين، وعن الصّادق عليه السلام: (المسلم من سلم النّاس من يده ولسانه، والمؤمن من ائتمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم) لأنه يتخلق بأخلاق الله تعالى، فالله هو السلام وهو المؤمن: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ) وهو الرفيق: (إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف).
ـ وللأشهر الحرم أحكاماً خاصة ليست لغيرها من الأشهر الأخرى، و منها: (حرمة ابتداء قتال الأعداء / تضاعف الذنوب / تضاعف الثواب / زيادة الديات)، فإذا وقع القتل خطأ في الشهر الحرام يغلّظ في الديّة، فعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السَّلام أنَّهُ قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً خَطَأً فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ أَشْهُرِ الْحُرُمِ).
ـ ويتميز هذا الشهر الحرام بأنه يختزن عدة ذكريات عزيزة، ترسّخ العلاقة بين الإنسان المؤمن وبين قادته.. ترسخ العلاقة بيننا وبين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خلال ذكرى المبعث الشريف، وترسخ العلاقة بيننا وبين أمير المؤمنين عليه السلام من خلال ذكرى مولده المبارك، وترسخ العلاقة بيننا وبين أئمتنا، الباقر والجواد والهادي عليهم السلام في ذكريات مواليدهم.
ـ ومن هنا فإن هذا الشهر يمثّل الفرصة التي من خلالها نعمل لأن نعوّد أنفسنا على اقتلاع كل الأحقاد التي ترهق قلوبنا، وكلّ التّوتّرات التي تربك حياتنا، ونستبدلها بلغة التّواصل والمحبّة. وسنكتشف من خلال ذلك، أنَّ الحياة ستكون أفضل وأجمل وأكثر سعادةً، وسيكون ذلك هو السّبيل لبلوغ رضوان الله، لأنّ الحقد حالقة للدّين والدّنيا.
ـ كما ويمثّل مناسبة متجددة لترسيخ ذلك الولاء الذي طعمناه وشربناه منذ طفولتنا، فاختلط بلحمنا ودمنا، وتغلغل في عقولنا ومشاعرنا، فكان هو الشعار لإيماننا، والعماد الذي أقمنا عليه بنياننا. اللهم اجعلنا من المتمسكين بولاية محمد وآله والسائرين على خطاهم والمهتدين بهداهم إنك سميع مجيب.