وحدويّ في زمن المذهبيّين - السيد علي فضل الله

توفي في الثامن من مايو القاضي الفقيه اللبناني الشيخ فيصل مولوي (1941-2011)، أحد مفكري ودعاة العالم الإسلامي، وكان رئيساً لجمعية التربية الإسلامية في لبنان، وأمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان.
وبهذه المناسبة كتب سماحة السيد علي فضل الله كلمات في تأبينه، ومما جاء فيها: (أن تكون وحدويّاً في زمن المذهبيّين، وأن تكون إسلاميّاً في زمن المتمذهبين، فأنت تدرك سلفاً حجم الضَّريبة الّتي تدفعها حيّاً، وربّما تستمرّ بدفعها ونيل الأجر والثّواب عليها، حتّى بعد الرّحيل عن هذه الفانية. وقد كان الشيخ فيصل المولوي يعرف أنّه ـ وثلّة من علماء الأمّة المخلصين ـ يسبحون عكس التيّار، عندما يتصدّون بالموقف الحاسم والفتوى الجامعة لكلّ محاولات شقّ الصفّ الإسلاميّ، ولكلّ عمليّات التّمزيق التي تظهر فيها الأمّة كعشائر متناحرة ومتقاتلة، فيما الاحتلال الصّهيونيّ والهيمنة الغربيّة يقهقهان لمشهد يتعاظم سوءاً، ويجعلهما أكثر راحةً في السّيطرة والبطش من خلال الحفر عميقاً في جرح الأمّة النّازف.
لقد عرف الشَّيخ المولوي، وهو المطلّ على السّاحة الإسلاميَّة من الشّرفة العلميّة، ومن موقع الفقاهة والأصالة، ومن الموقع الإسلاميّ الحركيّ الّذي انفتح فيه على كلّ الأقطاب داخل الواقع الإسلاميّ، أنّ التّركة ثقيلة وكبيرة في خطّ الوحدة الإسلاميّة، ولكنّه لم يسمح لليأس بأن يأخذ طريقه إلى قلب الأمّة، فعمل على التصدّي بطريقةٍ نوعيّةٍ فاعلةٍ لكلّ الإثارات والحساسيّات الّتي انطلقت في السنوات الفائتة...
لا نريد القول إنَّ الساحة الإسلاميَّة خسرت آخر الوحدويّين في غيابه، ولكنَّ المأساة تبدو كبيرةً، وفي هذه المرحلة بالذَّات، حيث نفتقد هؤلاء الكبار في الزَّمن الصَّعب الّذي تدور فيه الدَّوائر على الكثيرين، فيشهرون سلاح المذهبيّة والعصبيّة قبل أن يتبيّنوا ويتثبّتوا.. ومن دون أن يدقّقوا في حجم الهجمة الكبرى الّتي تستهدف الأمَّة. رحمك الله يا شيخ فيصل، وعوّض الأمّة بعلماء يسيرون في خطّ الوحدة الإسلاميّة، ويدفعون الغالي والرّخيص لصون وحدة الأمّة الّتي لا تزال تتداعى الأمم عليها، كما تتداعى الأكلة على قصعتها).