خطبة الجمعة ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى ـ النميمة


وخسر خسرانا مبينا، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
ـ (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ، هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) القلم:10-11.
ـ نموذجان من الناس وجدا على الدوام في المجتمعات البشرية، نموذج الإنسان الإطفائي الذي يسعى للإصلاح بين المتخاصمين وتقريب وجهات النظر، ونموذج المجرم الذي يشعل الخصومات أو يزيدها اشتعالاً.

ـ النصوص الإسلامية اعتبرت النموذج الأول من أرقى النماذج الإنسانية وجعلته في مرتبة المجاهدين، ففي
الحديث: (إنَّ أَجرَ المُصلِحِ بَينَ النّاسِ كَأجرِ المُجاهِدِ بَينَ أَهلِ الحِربِ) بينما اعتبرت النموذج الثاني من أسوأ النماذج.
ـ في الحديث النبوي (إِنَّ أَحَبَّكُم إِلى اللهِ الَّذِينَ يُؤلَفُونَ وَيَألِفُونَ وإِنَّ أَبغَضَكُم إِلى اللهِ المَشّاؤونَ بِالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُونَ بَينَ الإخوانِ). وفي آخر: (قال لأصحابه: أَلا اُنَبِّئُكُم بِشَرارِكُم؟ قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: المَشّاؤُونَ بِالنَّمِيمِةِ وَالمُفَرِّقُونَ بَينَ الأَحِبَّةِ، الباغُونَ لِلبُرءاءِ المَعايبِ).
ـ النميمة تكشف عن أن الماشي بها ذو نفسية مريضة وشخصية معقدة، وأنه يعاني من عدم الراحة النفسية حين يرى أحداً يتمتع بنعم الله، أو حين يرى العلاقات الإيجابية قائمة بين اثنين أو أكثر، فيكون سعيه لإفساد ذلك أملاً في إطفاء شئ من النار التي تتقد في صدره، أو رغبة في أن يعاني الآخرون كما يعاني هو.
ـ النمام وإن قد ينجح في بعض سعيه، ولربما يشعر براحة كاذبة لفترة وجيزة، إلا أنه يحكم على نفسه بالإقصاء الاجتماعي تدريجياً ليتحوّل في النهاية إلى شخصية منبوذة، وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: (من سعى
بالنميمة حاربَه القريب ومقتَه البعيد).
ـ وسقوطه الاجتماعي قد يمتد إلى أكثر من جهة، وفي الحديث (لا تَجتَمِعُ أَمانَةٌ وَنَمِيمَةٌ) فمن لا يكون مؤتمناً على الكلام لن يكون مؤتمناً على المال.
ـ ولعل إلى هذا التدمير الذي يمارسه النمام لنفسه كما يدمّر غيره وفي أبعاد متعددة أشار الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بقوله: (الساعي قاتل ثلاثة: قاتل نفسه، وقاتل من يسعى به، وقاتل من يسعى إليه).
ـ وأخيراً فإنه لفداحة هذه الجريمة نجد أن النصوص تؤكد على العذاب المغلّظ أيضاً للنمامين، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أَبا ذَر، صاحِبُ النَّمِيمةِ لا يَستَرِيحُ مِنْ عَذابِ اللهِ فِي الآخِرَةِ).
ـ وأختم بهذا المقطع من دعاء مكارم الأخلاق لإمامنا زين العابدين عليه السلام حيث قال: (اللهم وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِي بَسْطِ العَدْلِ، وَكَظْمِ الغَيْظِ، وَإِطْفاء النَّائِرَةِ، وَضَمِّ أَهْلِ الفُرْقَةِ، وَإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وَإِفْشاء العارِفَةِ وَسَتْرِ العائِبَةِ وَلِينِ العَرِيكَةِ وَخَفْضِ الجَّناحِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَسُكُونِ الرِّيحِ وَطِيبِ المُخالَقَةِ وَالسَّبْقِ إِلى الفَضِيلَةِ وَإِيْثارِ التَّفَضُّلِ وَتَرْكِ التَّعْيِيرِ وَالاِفْضالِ عَلى غَيْرِ المُسْتَحِقِّ، وَالقَوْلِ بِالحَقِّ وَإنْ عَزَّ، وَاسْتِقْلالِ الخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي).