الصديقة الشهيدة


(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) النساء:69.
ـ تحدثت الآية عن أربعة أصناف من الناس، أولهم الأنبياء، وثالثهم الشهداء، أي الذي يشهدون على أعمال الناس، ورابعهم الصالحون.
ـ وأما الصدّيقون فقد قال العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان في تعريفهم: (مبالغة من الصدق، و من الصدق ما هو في القول، و منه ما هو في الفعل). ثم يبين كيف يكون الفعل صادقاً، فيقول: (وصدق الفعل هو مطابقته للقول).
فالصدّيق هو الذي يتطابق ما في معتقده مع قوله، ويتطابق قوله مع فعله. (فالصدّيق الذي لا يكذب أصلاً، وهو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقاً من غير اتباع لهوى النفس، ولا يقول إلا ما يرى أنه حق، ولا يرى شيئاً إلا ما هو حق، فهو يشاهد حقائق الأشياء، و يقول الحق، و يفعل الحق. وعلى ذلك فيترتب المراتب: فالنبيون وهم السادة، ثم الصدّيقون وهم شهداء الحقائق والأعمال، والشهداء و هم شهداء الأعمال، والصالحون و هم المتهيئون للكرامة الإلهية).
ـ وقد وصف القرآن الكريم عدد من الأنبياء بأنهم صدّيقون، وأنهم شهداء، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) مريم:41، (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) النساء:41.
ـ ومن هنا نفهم ما في حديث الإمام موسى الكاظم عليه السلام حيث قال: (إن فاطمة صدّيقة شهيدة). فالزهراء عليها السلام وصلت إلى مقام الصدّيقين الذين يعيشون الصدق مع النفس ومع الله ومع الناس من حولهم، الصدق في القول والصدق في الفعل، الصدق الذي لا تفعل من خلاله إلا ما تراه حقاً من غير اتباع لهوى النفس، ولا تقول إلا ما ترى أنه حق، فهي تشاهد حقائق الأشياء، ولذا فقد وصلت إلى مقام الشهداء الذين يشهدون على الأمة يوم القيامة، كما هو شأن الأنبياء الذين اصطفاهم الله سبحانه واختارهم لمقام الشهادة.
ـ وعندما يختار الله أحداً للاصطفاء ولمقام الشهادة كما اختار سيدتنا الزهراء عليها السلام لذلك، فإن هذا الاصطفاء لا ينطلق من فراغ، بل هو ينطلق من الخصائص التي تحبّب هؤلاء المصطفين إلى الله، وتجعلهم في مستوى حمل الرسالة وتجسيد قيمها في الحياة.
ـ ومن هنا أيضاً كان ارتباطنا بالزهراء عليها السلام في المقام الأول هو الارتباط الولائي، وليس الارتباط العاطفي.. ارتباط الإيمان بالمقامات الراقية التي حازت عليها الزهراء عليها السلام بإيمانها وتقواها وصبرها وعبادتها وجهادها، وبالتسديد الإلهي الذي نالته استحقاقاً لذلك.. وارتباط الاقتداء بسيرتها التي جسدت فيها الصدق في القول والعمل فكانت الصدّيقة الشهيدة.
ـ فأن نكون فاطميين يعني أن نكون في نهج الصدق الذي جسدته الزهراء عليه السلام، وأن نكون المطيعين لله ولرسوله كما جاء في الآية الكريمة: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) النساء:69.