خطبة الجمعة للشيخ علي حسن بعنوان التوافق مع الذات


ـ التوافق مع الذات عنوان تم تناوله حديثاً، إلا أن مضمونه ليس بالجديد، فهو يتداخل مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف:2-3. ويتداخل مع النفاق العملي.
ـ والمراد من هذا العنوان هو أن يجد الإنسان تماثلاً بين حقيقته الداخلية وبين سلوكه الخارجي، بين نياته وبين أفعاله، بين قدراته وبين عطاءاته، ليشعر من خلال ذلك بالراحة النفسية لوجود هذا التناغم والانسجام بعيداً عن
ازدواجية الشخصية وتأنيب الضمير.
ـ ولتحقيق ذلك عوامل عديدة:
1. امتلاك النيّة الخيّرة كدافع للعمل، فمن ينوي الشرّ أو يتحرك بدوافع مغايرة لما هو معلن لا يشعر بالراحة النفسية، بل يبقى يعيش العقد، كما في قوله تعالى: (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) التوبة:45.
2. الكفّ عن جميع الشرور، ذلك أنّه إذا كان مجرّد إرادة أو نيّة الشرّ تعدّ مرضاً فما بالنا بفعل الشرّ والسوء الذي يلازمه الشعور المستمرّ بعذاب الوجدان من جرّاء ارتكابه؟
3. فعل الخيرات بالنيّات الخيّرة، إذ أنّ الشعور بخيريّة الذات لا يتحقق إذا لم يفعل الخير بإرادة خيّرة، وهذا الجانب له روافد ثلاثة تزوّده بالخير، هي الشعور الذاتي بالرضا، ومجازاة الآخرين له بالخير والمعاملة الحسنة، والعطاء الإلهي: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) النحل:97.
4. التناغم بين المعتقد والعمل، فمن يعتقد بالرقابة الإلهية الكاملة، ومن يعتقد بالكرام الكتبة، ومن يعتقد بالحساب والجزاء، إذا أتى بالمعاصي مصراً عليها، فإنه سيعاني من النفس اللوامة التي ترهقه.
5. بذل الوسع في إنجاز العمل، فالبعض ينجز العمل المطلوب منه، خاصة في إطار العمل التطوعي، ولكنه لا يعطي من نفسه حال الإنجاز، ولا يتقن عمله، ولكن من يبذل كامل الجهد ويسعى للإتقان فإنه يعيش شعوراً رائعاً
وإن لم يصل إلى تحقيق مبتغاه، لأنه يدرك أن التوافق بين الظاهر والباطن قد تحقق، فيعيش راحة الضميرن لأن عدم تحقيق النتيجة لا يعود إليه بل إلى عوامل خارجة عن إرادته، وفي الحديث الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).