حفّارو القبور


كتبت في الأسبوع الماضي عن (حفّاري قبور الشعوب المضطهدة) الذين يستخدمون الأداة الطائفية لتحقيق أغراضهم ودعم مواقعهم، ويبدو أن الأمور مرشَّحة للمزيد من تصعيد اللغة الطائفية والشحن الإعلامي في المنطقة العربية، لأنها واحدة من أساليب إضعاف موقف الخصوم بتشويه الحقائق وإضاعة الحقوق.
وهذا يستدعي جهوداً مضاعفة من قبل كل الغيورين على الأمة مهما اختلفت مواقفهم ورؤاهم السياسية سعياً لنزع أي فتيل يشعله المتلاعبون بالعقول، لأن اللعب بالنار الطائفية ستؤذي الجميع، فلغة التاريخ والأرقام تؤكد على أن العناوين المقدسة متى ما استُخدمت كشعار ومنطلق للمواجهة فإنها ستُذكيها بشكل مجنون.
غزو طائفي!
كتب أحدهم مقالاً يرسم من خلاله معالم الإثارة الطائفية القادمة على يد حفّاري القبور وأدواتهم، وبأسلوب يذكّرنا بالخطاب الصدّامي البعثي، وهو يتحدث عن الأوضاع في البحرين، معتبراً أن المشهد هناك مختلف تماماً عن سائر مشاهد الحراك الذي شهدته المنطقة العربية، لأنها (ثورة شاذة.. مايحدث في البحرين ماهو إلا غزو طائفي بامتياز!! لطالما فكّر المتآمرون في البحرين فأعيتهم في كيفية ابتلاعها.. الطابور الذي لم تعد مشاريعه خافية على أصغر مواطن.. البحرين هو جس النبض بالنسبة لهم، كما أنه السد الواقي لدول الخليج، والذي إذا ما انهار فإن الطوفان سينحدر من دون هوادة لباقي الدول، وهذه الحاله تشبه ما حدث في العراق حينما انهار نظام صدام حسين فاندفع الطوفان لكل دول الشام يعيث فيها فساداً وإفساداً!!).
الإصلاح السياسي:
ولكن الواقع أن مطالب المتظاهرين في البحرين تتلخص في السعي للوصول بها إلى وضع سياسي شعبي قريب مما تعيشه الكويت، تكون فيها العلاقة بين القيادة والمواطن منفتحة بشكل كبير، ويكون البرلمان منتخباً وقادراً على مراقبة الأداء الحكومي. فلماذا نقبل لأنفسنا ككويتيين أن نحصل على كل هذه الحقوق والامتيازات، ونستكثرها على الشعب البحريني الذي يطالب بها من خلال الشارع بعد أن أعيته كل السبل الأخرى؟
وإذا كانت هناك مناداة بالملكية الدستورية، وبرئيس وزراء منتخب، فهي مطالبات نابعة من مضمون الميثاق الوطني الذي تم الاتفاق بشأنه بين الشعب والملك عام 2001، ومضمون الدستور الذي أقر عام 2002، وبالتالي هي مطالبات بعدم تجاوز الدستور البحريني ذاته!
وهذه المطالبات أيضاً لا تبتعد عن طموح النخب والتيارات السياسية والشرائح العريضة من الشارع الكويتي بجعل رئيس الوزراء منتخباً شعبياً، وأن يتم تعديل الدستور بحيث يتحقق الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لكي لا يكون الوزراء أعضاء في مجلس الأمة فيكون لهم حق التصويت، مع إعطاء الحرية للمواطنين للتعبير عن ذلك دون التعرض لهم بالعنف.. فلماذا تكون هذه المطالبات دستورية ومشروعة في الكويت، وتعبّر عن السقف العالي من الديمقراطية والحرية واحترام الرأي الآخر، بينما تُعتبر جريمة وممارسة طائفية يرتكبها المعتصمون في (دوار اللؤلؤة) وهم يمسكون بالورود بيد، ويرفعون أعلام البحرين باليد الأخرى!! ثم تكون مبرراً لسحق إرادتهم في الإصلاح؟
الإصلاح المعاشي:
والقسم الآخر من مطالبات المتظاهرين والمعتصمين تتركز حول سياسة التجنيس الهادفة للتغيير الديموغرافي مع حرمان قطاع واسع من أبناء الوطن من التوظيف وتوفير المسكن الملائم وغير ذلك من الخدمات الرئيسية التي بات ينالها (المتجنسون) الجدد في زمن قياسي، بينما يحلم بها أبناء البلد الذين تدفع بهم الحاجة لكي يعملوا في مهن أقل ما يقال عنها أنها لا تتناسب وشهاداتهم الجامعية ومستوياتهم العلمية.. فهل يقبل الكويتي أن يشاهد الوافد يعمل في القطاع البنكي والعسكري والصحي والتعليمي، ويعيش في بيت تقدمه له الحكومة في غضون سنة أو سنتين، بينما يُدفع هو ليغسل سياراتهم ويحمل حقائبهم ويقدم لهم الشاي والقهوة؟! ثم يعود لمسكنه المتهالك الذي يحتضن الجد وأبناءه وأحفاده في مساحةٍ لا تزيد على المائة متر؟!
حكمة رجالات الكويت:
لقد عوّدتنا القيادة السياسية الحكيمة في الكويت على اتخاذ المواقف التي من شأنها درء أية فتنة طائفية يمكن أن تعصف بالبلد أو بالمنطقة، وعلى السعي للإصلاح حيثما حلت الفتنة، وهذا ما دفع سمو أمير البلاد لإرسال وفد شعبي إلى البحرين قبل أسابيع في محاولة لنزع فتيل الأزمة.. ونأمل اليوم ـ مع هذا التصعيد الخطير في البحرين ـ أن نشهد مواصلة هذا الدور الإنساني والأخوي من خلال تشكيل وفد برلماني كويتي يسعى مجدداً لحل الأزمة بالحكمة والحوار.
مرارات الاحتلال:
وقد ذاقت الكويت مرارة الظلم في الغزو والاحتلال الصدامي، وتجرّع الكويتيون آلام العدوان البعثي، فقاوموا الظلم وصبروا وتحمّلوا من أجل الحرية، فأحرى بالكويت ألاّ تكون طرفاً في أي ظلم يلحق بالشعب البحريني الشقيق الذي يسعى لترسيخ الديمقراطية والعدالة والمساواة بين كافة مكوّناته، بغض النظر عن الانتماء المذهبي أو غيرها من العناوين. ونأمل من رجالات الكويت أن يعوا حساسية المرحلة والوضع القائم والقادم، وخطورة تلاعب البعض بنار الفتنة الطائفية، وأن يتذكروا دائماً أن دستورنا يمثل صمام الأمان والضمانة الأكيدة للأمن والاستقرار، حتى وإن كانت هناك مطالبات بتغيير شئ من مواده وفقراته، فهذه هي سنة الحياة التي تقتضي التغيير إلى الأفضل إذا ما انكشفت بعض السلبيات، أو كان التغيير متناغماً مع المستجدات الظرفية.